[color=white][color=indigo]وردت أقوال كثيرة عن السلف في النهي عن مجادلة أهل البدع ومناظرتهم: [/color][/color][color=white]
[color=indigo]عن أبي على حنبل بن إسحاق بن حنبل قال:كتب رجل إلى عبد الله رحمه الله كتاباً يستأذنه في أن يضع كتاباً يشرح فيه الرد على أهل البدع, وأن يحضر مع أهل الكلام فيناظرهم, ويحتج عليهم, فكتب إليه أبو عبد الله :[/color][center]
[color=indigo]بسم الله الرحمن الرحمن :[/color][/center]
[color=indigo]أحسن الله عاقبتك, ودفع عنك كل مكروه ومحذور.
الذي كنا نسمع, وأدركنا عليه من أدركنا من أهل العلم أنهم كانوا يكرهون الكلام, والجلوس مع أهل الزَّيغ, وإنما الأمور في التسليم والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله أو سنة رسول الله لا في الجلوس مع أهل البدع والزيغ, لتردَّ عليهم, فإنهم يلبسون عليك, وهم لا يرجعون.
فالسلامة - إن شاء الله- في ترك مجالستهم, والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم, فليتق الله امرؤ, وليصر إلى ما يعود عليه نفعه غداً من عمل صالح يقدمه لنفسه, ولا يمكن ممن يحدث أمراً, فإذا هو خرج منه, أراد الحجة, فيحمل نفسه على المحال فيه, وطلب الحجة لما خرج منه بحق أو بباطل, ليزين به بدعته, وما أحدث, وأشدُّ من ذلك أن يكون قد وضعه في كتاب قد حمل عنه, فهو يريد أن يزين ذلك بالحق والباطل, وإن وضح له الحق في غيره, ونسأل الله التوفيق لنا ولك.والسلام عليك"
.
وقد ثبت عن أئمة السلف رحمهم الله أقوال مثل كلمة الصديق الثاني العالم الرباني إمام أهل السنة وناصر الإسلام يوم المحنة أحمد بن حنبل الشيباني.وقد أوردها بأسانيدها الشيخ الإمام والعلامة الهمام أبو عبد الله عبيد الله ابن محمد بن بطة العكبري في كتابه الفذ الموسوم بـ"الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة" (2/429-483), فانظره, فإنه نفيس, وحسبك قوله (2/429):
"
================
فإن قيل: كيف يتفق نهيهم عن مناظرة أهل البدع مع قيامهم به؟
فالجواب:
أنهم ذموا مناظرة أهل البدع في حالات, وقاموا بها في حالات أخرى, فذمهم يدخل في أبواب, منها:
1- ذمهم للكلام والفلسفة ولو كان للذب عن العقائد الشرعية وحراستها.
والسلف كان نظرهم في خير الكلام وأفضله, وأصدقه وأدله على الحق, وهو كلام الله تعالى, وهم ينظرون في آيات الله تعالى التي في الآفاق وفي أنفسهم, فيرون في ذلك من الأدلة ما يبين أن القرآن حق.
قال تعالى: ﴿ سَنُرِيِهمْ آيَاتِنَأ في الآفَاقِ وَفِي أنفٌسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّهُ الْحَقَّ ﴾ {فصلت: 53}.
والمناظرة المحمودة نوعان, والمذمومة نوعان.
وذلك لأن الناظر: إما أن يكون عالماً بالحق, وإما أن يكون طالباً له, وإما أن لا يكون عالماً به ولا طالباً له.
فهذا الثالث هو المذموم بلا ريب.
وأما الأولان: فمن كان عالماً بالحق فمناظرته المحمودة أن يبين لغيره الحجة التي تهديه إن كان مسترشداً طالباً للحق إذا تبين له, أو يقطعه ويكف عدوانه إن كان معانداً غير متبع للحق إذا تبين له, ويوقَّفٌه ويُسلََّكه ويبعثه على النظر في أدلة الحق إن كان يظن أنه حق وقصده الحق.
وذلك لأن المخاطب بالمناظرة إذا ناظره العالم المبين للحجة: إما أن يكون ممن يفهم الحق ويقبله إذا فهم, أو ليس له غرض في فهمه, بل قصده مجرد الرَّد له, فهذا إذا نوظر بالحجة انقطع وانكف شرُّه عن الناس وعداوته, وهذا هو المقصود الذي ذكره أبو حامد وغيره, وهو دفع أعداء السنة المجادلين بالباطل عنها.
وإما أن يكون الحق قد التبس عليه, وأصل قصده الحق, لكن يصعب عليه معرفته لضعف علمه بأدلة الحق, مثل من يكون قليل العلم بالآثار النبوية الدالة على ما أخبر به من الحق, أو لضعف عقله لكونه لا يمكنه أن يفهم دقيق العلم, أو لا يفهمه إلا بعد عسر, أو قد سمع من حجج الباطل ما اعتقد موجبه وظن أنه لا جواب عنه, فهذا إذا نوظر بالحجة أفاده ذلك: إما معرفة بالحق, وإما شكاً وفوقفاً في اعتقاده الباطل, أو في اعتقاده صحة الدليل الذي استدل به عليه, وبعث همته على النظر في الحق وطلبه, إن كان له رغبة في ذلك, فإن صار من أهل العصبية الذين يتَّبعون الظن وما تهوى الأنفس أُلحق بقسم المعاندين.
وأما المناظرة المذمومة من العام بالحق, فأن يكون قصده مجرد الظلم والعدوان لمن يناظره, ومجرد إظهار علمه وبيانه لإرادة العلو في الأرض, فإذا أراد علوّاً في الأرض أو فساداً كان مذموماً على إرادته.
ثم قد يكون من الفجار الذين يؤيد الله بهم الدين, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" .
فكما قد يجاهد الكفار فاجر فينتفع المسلمون بجهاده, فقد يجادلهم فاجر فينتفع المسلمون بجداله, لكن هذا يضر نفسه لسوء قصده, وربما أوقعه ذلك في أنواع من الكذب والبدعة والظلم, فيجره إلى أمور أخرى.
وقد وقع في ذلك كثير من هؤلاء وهؤلاء.
وأما إن كان المناظر غير عالم بالحق, بأن لا يعرف الحق في نفس المسألة, أو يعرف الحق لكن لا يعرف بعض الحجج, أو الجواب عن بعض المعارضات, أو الجمع بين دليلين متعارضين, وأمثال ذلك فهذا إذا ناظر طالباً محموداً, وإن ناظر بلا علم, فتكلم بما لا يعرف من القضايا والمقدمات كان مذموماً.
================
والسلف رضوان الله عليهم كانت مناظرتهم مع الكفار وأهل البدع –كالخوارج وغيرهم- من القسم الأول, وكانت مناظرة بعضهم لبعض في مسائل الأحكام والتفسير: تارة من القسم الأول, وتارة من القسم الثاني, وهي المشاورة التي مدحهم الله عليها بقوله عز وجل: ﴿ وَأمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ {الشورى: 38}.
وما ذكره الله تعالى عن الأنبياء المؤمنين من المجادلة يتناول هذا وهذا. وقد ذم الله تعالى في القرآن ثلاثة أنواع من المجادلة:
ذم صاحب المجادلة بالباطل ليدحض به الحق.
وذم المجادلة في الحق بعد ما تبين.
وذم المحاجة فيما لا يعلم المحاج.
فقال تعالى: ﴿ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ﴾ {غافر: 5}.
وقال تعالى: ﴿ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقَّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ ﴾ {الأنفال: 6}.
وقال: ﴿ هَا أنتُمْ هؤلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحاجون فِيمَا لِيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ﴾ {آل عمران: 66}.
والذي ذمَّه السلف والأئمة من المجادلة والكلام هو من هذا الباب, فإن أصل ذمهم الكلام هو: الكلام المخالف للكتاب والسنة, وهذا لا يكون في نفس الأمر إلا باطلاً, فمن جادل به جادل بالباطل, وإن كان ذلك الباطل لا يظهر لكثير من الناس أنه باطل لما فيه من الشبهة, فإن الباطل المحض الذي يظهر بطلانه لكل أحد لا يكن قولاً ومذهباً لطائفة تذب عنه, وإنما يكون باطلاً مشوباً بحق, كما قال تعالى: ﴿ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وأنتُمْ تَعْلَمُون ﴾ {آل عمران: 71}.
أو تكون فيه شبهة لأهل الباطل, وإن كانت باطلة وبطلانها يتبين عند النظر الصحيح, كالذين قالوا: إن محمداً صلى الله عليه وسلم شاعر وكاهن ومجنون.
قالوا: إنه شاعر لأن الشعر كلام موزون مقفى فشبهوا القرآن به من هذا الوجه.
والكاهن يخبر أحياناً بواحدة تصدق فشبهوا الرسول به من هذا الوجه.
والمجنون يقول ويفعل خلال ما في عقول ذوي العقول, فلما زعموا أن ما يأتي به الرسول صلى الله عليه وسلم يخالف ما يأتي به العقلاء نسبوه إلى ذلك!
لكن ما ينصبه الله من الأدلة, ويهدي إليه عباده من المعرفة, يتبين به الحق من الباطل الذي يشتبه به, ولكن ليس كل من عرف الحقّ –إما بضرورة أو بنظر- أمكنه أن يحتج على من ينازعه بحجة تهديه أو تقطعه, فإن ما به يعرف الإنسان الحق نوع, وما به يعرفه به غيره نوع, وليس كل ما عرفه الإنسان أمكنه تعريف غيره به, فلهذا كان النظر أوسع من المناظرة, فكل ما يمكن المناظرة به يمكن النظر فيه, وليس كل ما يمكن النظر فيه يمكن مناظرة كل أحد به.
ولهذا كان أهل العلم بالحديث لهم علوم ضرورية بأقوال الرسول ومقاصده, ولا يشركهم فيها إلا من شركهم في أسبابها.
والمقصود هنا أن السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته, والجواب عما يعارضه, وإن كانوا في ذلك درجات, وليس كل منهم يقوم بجميع ذلك, بل هذا يقوم بالبعض, وهذا يقوم بالبعض, كما في نقل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم , وغير ذلك من أمور الدين.
والكلام الذي ذموه نوعان:
أحدهما: أن يكون في نفسه باطلاً وكذباً, وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل وكذب, فإن أصدق الكلام كلام الله.
والثاني: أن يكون فيه مفسدة, مثلما يوجد في كلام كثير منهم: من النهي عن مجالسة أهل البدع, ومناظرتهم, ومخاطبتهم, والأمر بهجرانهم.وهذا لأن ذلك قد يكون أنفع للمسلمين من مخاطبتهم, فإن الحق إذا كان ظاهراً قد عرفه المسلمون, وأراد بعض المبتدعة أن يدعو إلى بدعته, فإنه يجب منعه من ذلك, فإذ هجر وعزر, كما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصبيغ ابن عسل التميمي, وكما كان المسلمون يفعلونه, أو قتل كما قتل المسلمون الجعد بن درهم وغيلان القدري وغيرهما – كان ذلك هو المصلحة, بخلاف ما إذا ترك داعياً, وهو يقبل الحق : إما لهواه, إما لفساد إدراكه, فإنه ليس في مخاطبته إلا مفسدة وضرر عليه وعلى المسلمين.
والمسلمون أقاموا الحجة على غيلان ونحوه, وناظروه وبيّنوا له الحق, كما فعل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه واستتابه, ثم نكث التوبة بعد ذلك, فقلتوه.
وكذلك علي رضي الله عنه بعث ابن عباس إلى الخوارج فناظرهم, ثم رجع نصفهم, ثم قاتل الباقين.
والمقصود أن الحق إذا ظهر وعُرف, وكان مقصود الداعي إلى البدعة إضرار الناس, قوبل بالعقوبة.
قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي الله مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وْعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابُ شَدِيدٌ ﴾ {الشورى: 16} ا.هـ.
2- ذمهم المناظرة إذا كان المناظر ضعيفاً لا يستطيع درء الشبهات ولا حلُّ المعضلات, فإن القلوب ضعيفة والشبه خَطَّافة.
قال شيخ الإسلام في "درء تعارض العقل والنقل" (7/173):
" وقد ينهون عن المجادلة والمناظرة, إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة, فيُخاف عليه أن يفسده ذلك المُضلُّ, كما يُنهى الضعيف في المقاتلة في أن يقاتل عِلجاً قوياً من علوج الكفار, فإن ذلك يضرُّه ويضر المسلمين بلا منفعة".
أما إذا كان المناظر أحد الراسخين في العلم ويعرف الفلج في قوله لزمه البيان:
قال ابن عبد البر رحمه الله في " جامع بيان العلم" (2/106-107):
"هذا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو ممن جاء عنه التغلط في النهي عن الجدال في الدين, وهو القائل: "من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل" , ولما اضطر وعرف الفلج في قوله: ورجى أن يهدي الله به لزمه البيان, فبين وكان أحد الراسخين في العلم رحمه الله.
قال بعض العلماء: كل مجادل عالم وليس كل عالم مجادلاً, يعني: أنه ليس كل عالم يتأتي له الحجة, ويحضره الجواب, ويسرع إليه الفهم بمقطع الحجة, ومن كانت هذه خصاله فهو أرفع العلماء, وأنفعهم مجالسة ومذاكرة, والله يؤتي فضله من يشاء والله ذو الفضل العظيم" ا.هـ.
3- ذمهم المناظرة إذا كان الخصم معانداً مقيماً على بدعته ولو ظهر له الحق:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "درء تعارض العقل والنقل" (7/174):
"وقد يُنهى عنها إذا كان المناظر معانداً يظهر له الحق فلا يقبله- وهو السوفسطائي- فإن الأمم كلهم متفقون على أن المناظرة إذا انتهت إلى مقدمات معروفة بينة بنفسها ضرورية وجحدها الخصم كان سوفسطائياً, ولم يؤمر بمناظرته بعد ذلك, بل إن كان فاسد العقل داووه, وإن كان عاجزاً عن معرفة الحق –ولا مضرة فيه- تركوه, وإن كان مستحقاً للعقاب عاقبوه مع القدرة: إما بالتعزيز وإما بالقتل, وغالب الخلق لا ينقادون للحق إلا بالقهر.
والمقصود أنهم نهوا عن المناظرة من لا يقوم بواجبها, أو مع من لا يكون في مناظرته مصلحة راجحة, أو فيها مفسدة راجحة, فهذه أمور عارضة تختلف باختلاف الأحوال.
أما جنس المناظرة بالحق فقد تكون واجبة تارة ومستحبة وتارة أخرى. وفي الجملة جنس المناظرة والمجادلة فيها: محمود ومذموم, ومفسدة ومصلحة, وحق وباطل" أهـ.
4-ذمهم التعرض لكل من طلب المناظرة.
5-ذمهم مناظرة من لم يعرف خطره, وينتشر شرر, فإن فِعْلَ ذلك يُظْهِرُهُ, وقد مضى هذا صريحاً في كلام اللالكائي[/color][/color][color=white]
[/color]