أصوله في الراءات
لورش في باب الراءات واللامات مذاهب تعتبر من أهم الخصائص التلاوة المغربية لتشعب مباحث الباب وقد أشار غير واحد من شراح الشاطبية وغيرهم إلى اختصاص المغاربة بنقل هذه المذاهب دون غيرهم من المشارقة، قال الجعبري في باب الراءات من "الكنز": "خاتمة": أكثر كتب أصحابنا العراقيين خالية من الراءات واللامات إلا القليل.. قال: "لأن طريق ورش عندهم الإصبهاني لا الأزرق غالبا"( ).
وقال في باب اللامات : "كل من نقل لورش طريق الأزرق ذكره، ومن لا فلا".
والصفتان اللتان تعرضان لحرف الراء في هذا الباب هما الترقيق والتفخيم، فالترقيق- كما قال الحافظ ابن الجزري "من الرقة، وهو ضد السمن، فهو : عبارة عن إنحاف ذات الحرف ونحوله، والتفخيم : من الفخامة وهي العظمة والكثرة فهي : عبارة عن ربو الحرف وتسمينه، فهو والتغليظ واحد، إلا أن المستعمل في الراء في ضد الترقيق هو التفخيم، وفي اللام التغليظ" قال :
"وقد عبر قوم أن الترقيق في الراء بـ"الإمالة بين اللفظين "كما فعل الداني( ) وبعض المغاربة وهو تجوز، إذ الإمالة : أن تنحو بالفتحة إلى الكسرة وبالألف إلى الياء كما تقدم، والترقيق إنحاف صوت الحرف، فيمكن اللفظ بالراء مرققة غير ممالة، ومفخمة ممالة، وذلك واضح في الحس( ) والعيان، وإن كان لا يجوز مع الإمالة إلا الترقيق، ولو كان الترقيق إمالة لم يدخل على المضموم والساكن، ولكانت الراء المكسورة ممالة، وذلك خلاف إجماعهم. قال :
"ومن الدليل أيضا على أن الإمالة غير الترقيق أنك إذا أملت "ذكرى" التي هي "فعلى" بين بين كان لفظك بها غير لفظك ب"ذكرا" "المذكر وقفا إذا رققت، ولو كانت الراء في المذكر بين اللفظين لكان اللفظ بهما سواء وليس كذلك، ولا يقال إنما كان اللفظ في المؤنت غير اللفظ في المذكر لأن اللفظ بالمؤنت ممال الألف والراء، واللفظ بالمذكر ممال الراء فقط، فإن الألف حرف هوائي لا يوصف بإمالة ولا تفخيم، بل هو تبع لما قبله، فلو ثبت إمالة ما قبله بين اللفظين لكان ممالا بالتبعية كما أملنا الراء قبله في المؤنث بالتبعية ولما اختلف اللفظ بهما والحالة ما ذكر، ولا مزيد على هذا في الوضوح والله أعلم"( ).
ثم ساق ابن الجزري مذهب ورش في الراءات واستهله بلفت النظر إلى ما تقدم من خصوصية المغاربة والمصريين قديما بنقله عن ورش فقال : "إذا علم ذلك فليعلم أن الراءات في مذاهب القراء عند أئمة المصريين والمغاربة- وهم الذين روينا رواية ورش من طريق الأزرق من طرقهم- على أربعة أقسام : قسم اتفقوا على تفخيمه، وقسم اتفقوا على ترقيقه، وقسم اختلفوا فيه عن كل القراء، وقسم اختلفوا فيه عن بعض القراء فالقسمان الأولان اتفق عليهما سائر القراء وجماعة أهل الأداء من العراقيين والشاميين وغيرهم، فهما مما لا خلاف فيهما، والقسمان الآخران مما انفرد بهما من ذكرنا"( ).
وقد تقدمه ابن أبي السداد فقال : "فإذا تقرر هذا فاعلم أن الراءات في مذاهب القراء ثلاثة أقسام : قسم اتفقوا على تفخيمه، وقسم اتفقوا على ترقيقه، وقسم اختلفوا فيه، فرققه ورش وحده، وفخمه الباقون( ).
ونظرا لكون القسم الذي رققه ورش هو الذي يهمنا هنا فإننا سنقتصر عليه، وكذلك فإني سأعمد إلى ذكر مذاهب الأقطاب الثلاثة أئمة المدارس المغربية الثلاث الكبرى فيها، وهم الحافظ أبو عمرو الداني وأبو محمد مكي وأبو عبد الله بن شريح وقد تقدم ذكر ذلك مفصلا في تراجمهم في الفصول التي عقدناها لبيان اختياراتهم ومقومات مدارسهم، ولذلك نكتفي هنا بذكره مجملا مختصرا مع الاقتصار على مسائل الخلاف لا غير.
مذاهب ورش في الراءات والمختلف فيه منها بين أقطاب المدرسة المغربية الثلاثة :
استعرضنا في الفصول التي عقدناها لمذاهب الأقطاب واختياراتهم ومقومات مدارسهم جملة مسائل الخلاف وأهم ما اخذ به كل إمام من الأقطاب العشرة الكبار الذين أصلوا للقراءة في المدرسة المغربية الجامعة، ونريد في هذا الفصل أن نقف على مذاهب ورش في الراءات مختصرة وما أخذ به الثلاثة الكبار فيها، وهم أبو عمرو الداني زعيم "المدرسة الأثرية" أو "الاتباعية" والشيخ مكي بن أبي طالب القيسي زعيم مدرسة القيروان أو "المدرسة القياسية"، والإمام أبو عبد الله بن شريح زعيم "المدرسة التوفيقية:" التي توسطت بين المدرستين، مع اعتمادنا الألقاب العلمية المصطلح عليها في ذلك للتفريق بن الثلاثة، فإذا فيل "الحافظ" – كما تقدم- فالمراد أبو عمرو الداني، وإذا قيل "الشيخ" فالمراد مكي، وإذا قيل "الإمام" فالمراد ابن شريح صاحب "الكافي"، وهذه الطرق الثلاثة هي أمهات الطرق المقروء بها عند المغاربة كما قدمنا في موضعه من البحث وسنعتمد في المقابلة بين مذاهب هؤلاء الأقطاب طلبا للاختصار على ما لخصه الشيخ ابن أبي السداد في "الدر النثير".
قال الحافظ أبو عمرو في "التيسير" :
"اعلم أن ورشا كان يميل فتحة الراء قليلا بن اللفظين إذا وليها من قبلها كسرة لازمة أو ساكن قبله كسرة أو ياء ساكنة، وسواء لحق الراء تنوين أو لم يلحقها، فأما ما وليت الراء فيه الكسرة فنحو قوله- عز وجل- "الآخرة" و"باسرة" و"ناضرة" و"فاقرة" "وتبصرة" و"المدبرات" "والمعصرات" و"ظهرا" "وساحران" "ومدبرا" و"صابرا" وشبهه.
وأما ما حال بن الراء والكسرة فيه الساكن فنحو قوله- عز وجل – "الشعر" و"السحر" و"الذكر" و"سدرة" و"ذو مرة" و"لعبرة" وشبهه.
وأما ما وليت الراء فيه الياء، وسواء انفتح ما قبلها أو انكسر فذلك نحو قوله "الخيرات" و"حيران" و"الخير"، و"غيركم" و"المغيرات" و"الفقير" وخبيرا" و"بصيرا" و"نذيرا" وخيرا" و"طيرا" و"سيرا" وشبهه.
"ونقص مذهبه مع الكسرة في الضربين في قوله "الصراط" و"صراط" حيث وقعا، و"الفراق" و"فراق بيني" والإشراق" و"اعراضا" "ومدرارا" و" اسرارا" و"ضرارا" و"فرارا" و"الفرار" و"إبراهيم" و"إسرائيل"، و"عمران" و"ارم ذات العماد" و"امرا" و"ذكرا" و"سترا" و"وزرا" و"صهرا" و"حجرا" وإصرهم" و"إصرا" و"مصر" و"مصرا" و"قطرا" وفطرت الله" و"وقرا" وما كان من نحو هذا، فأخلص الفتح للراء في ذلك كله من أجل حرف الاستعلاء والعجمة وتكرير الراء مفتوحة ومضمومة قال :
"وحكم الراء المضمومة مع الكسرة والياء حكم المفتوحة سواء نحو "يسرون" و"منذر" و"قدير"و"بصير" و"خبير" و"خير" و"ذكر" و"بكر" وشبهه.
وأمال أيضا فتحة الراء في قوله في والمرسلات "بشرر" من أجل جرة الراء الثانية بعدها، وأخلص فتحها في قوله "أولى الضرر" في النساء لأجل الضاد قبلها، وقرأ الباقون بإخلاص الفتح في جميع ما تقدم"( ).
هذا مذهب ورش في الراءات مجملا من طريق أبي عمرو الحافظ في "التيسير"، وهو الذي عليه العمل عندنا في التلاوة المغربية اليوم تبعا لما نظمه الشاطبي من أصوله في "الحرز" وتبعه أبو الحسن بن بري في "الدرر اللوامع".
تلخيص ابن أبي السداد للخلاف في شرح التيسير :
قال ابن أبي السداد في عرضه للمتفق عليه والمختلف فيه لورش من طرق الأقطاب الثلاثة المذكورين عمداء المدارس المغربية :
"واعلم أن مجموع الراءات التي يشتمل عليها هذا القسم فإني الآن- بحول الله عز وجل- أذكرها وأحصرها في فصلين : أحدهما اتفق الحافظ والشيخ والإمام فيه على الترقيق لورش، والثاني اختلفوا فيه، وأقدم المختلف فيه مستعينا بالله تعالى.
الفصل الأول : فيما اختلفوا فيه من الراءات، ويشتمل على ثمانية أقسام :
القسم الأول : "سراعا" و"ذراعا" تفرد الإمام فيهما بالتفخيم.
القسم الثاني : "كبره" و"لعبرة" و"وزر أخرى" حيث وقع، تفرد الشيخ فيها بالتغليظ.
القسم الثالث : "حذركم"، اتفق الشيخ والإمام على تغليظه.
القسم الرابع: "عشيرتكم " في التوبة "واجرامي" "وحيران"، ذكر الشيخ والإمام عن ورش التغليظ والترقيق، وقال الإمام في "إجرامي" أن بين اللفظين أكثر".
القسم الخامس : "عشرون" "وكبر ما هم ببالغيه" و"وزرك" و"ذكرك" و"حصرت صدورهم" مذهب الشيخ التغليظ وعن الإمام الوجهان، وقال إن التفخيم في "وزرك" و"ذكرك" أكثر، ولا خلاف في ترقيق "حصرت"في الوقف.
القسم السادس : "المرء" في قوله تعالى "بين المرء وزوجه" و"بين المرء وقلبه"، ذكر الشيخ والإمام عن ورش التغليظ والترقيق، وقال الشيخ: والمشهور عن ورش الترقيق، وقال الإمام والتفخيم أكثر وأحسن.
القسم السابع : كل راء منصوبة منونة بع كسرة أو ياء ساكنة، فالتي بعد الكسرة من ذلك عشرون حرفا وهي "شاكرا" "وسامرا" و"صابرا" و"ناصرا" و"حاضرا" و"ظاهرا" و"عاقرا"…إلخ قال بعد تمام العشرين حرفا :
والذي بعد الياء الساكنة على ضربين : أحدهما أن تكون الياء حرف لين و هو بذلك ثلاثة ألفاظ وهي "خيرا" و"طيرا" و"سيرا"، والثاني أن تكون الياء حرف مد وهو على ضربين : أحدهما أن يكون وزنه "فعيلا" وجملته اثنان وعشرون حرفا وهي "قديرا" وخبيرا" و"بصيرا" …إلخ تلك الحروف ..ذكر الإمام في جميع ذلك عن ورش في الوصل التغليظ والترقيق، وفي الوقف الترقيق لا غير، وافقه الشيخ على ما كان وزنه "فعيلا" وقال إن التفخيم في الوصل مذهب أبي الطيب( )،وما ليس وزنه "فعيلا" أخذ فيه بالترقيق في الحالين، ومذهب الحافظ الترقيق في جميع ما تقدم في هذاالفصل.
القسم الثامن : كل راء منصوبة منونة قبلها حرف ساكن صحيح غير حرف الاستعلاء، وقبل ذلك الساكن كسرة، وجملته في القرءان ستة أحرف وهي "ذكرا" و"سترا" "وزرا" و"إمرا" و"حجرا" وصهرا"، مذهب الحافظ والشيخ التفخيم في الستة- قال الشيخ : إلا "صهرا" فإنه بالوجهين لورش، وأما الإمام فنقل في هذه الستة التغليظ لورش ثم قال : إلا "صهرا" في الفرقان فإنه "بين اللفظين" في الحالين ثم قال : وقد قرأت له هذا الفصل كله بين اللفظين.
فحصل من هذا التفخيم في "صهرا" للحافظ، والترقيق للإمام، والوجهان للشيخ، وأن باقي الفصل بالتفخيم من الطرق الثلاثة، وزاد الإمام بين اللفظين والله أعلم"( ).