أصول قراءة الإمام حمزة
هو أبو عمارة حمزة بن حبيب الزيات الكوفي، ثاني قراء الكوفة، وله راويان:
أحدهما، أبو محمد خلف بن هشام البزار
وثانيهما، أبو عيسى خلاد بن خالد الكوفي.
وخلف مقدم في الأداء عن خلاد. والخلف بينهما يسير، ولذا عزوت إلى الإمام حمزة.
فقلت:
[باب الاستعاذة والبسملة ]
صح عن حمزة أنه كان يخفي (يسر) الاستعاذة، (يقول أنمار: هذا مما لم يقبله الشيخ الضباع فيما سوى هذا الكتاب مشيا مع جمهور المحققين، وقال في تقريب النفع أنه أمر لا يلتفت إليه، كما يشعر بذلك قول الشاطبي: (أباه وعاتنا) إذ معناه أن من ترجع قراءته إليهم أبوه ولم يأخذوا به، بل أخذوا بالجهر إذ لا يصح نسبة الإسرار لا لحمزة ولا نافع اهـ)
وورد عنه أنه قرأ بترك البسملة بين السورتين، سوى الناس مع الحمد، ووصل آخر السورة السابقة بأول السورة اللاحقة.
أما بين الناس والحمد ، فليس فيه إلا البسملة لجميع القراء.
ويجوز لجميعهم أيضا بين الأنفال وبراءة الوقف والسكت والوصل.
واختار بعض أهل الأداء كغيره ممن وصل السورتين السكت في الأربع الزهر، والمراد بهن:
1. بين المدثر والقيامة
2. وبين الإنفطار والتطفيف
3. وبين الفجر والبلد
4. وبين العصر والهمزة
والتحقيق: عدم التفرقة بينهن وبين غيرهن.
[باب الأصول الواقعة في سورة أم القرآن]
وروى خلف الصراط وصراط، حيث وقعا وكيف أتيا، بإشمام الصاد صوت زاي، ووافقه خلاد بخلف عنه في الحرف الأول من الفاتحة خاصة.
وبوجه الصاد الخالصة قرأ له الداني على أبي الحسن طاهر بن غلبون، وبالصاد المشمة صوت الزاي قرأ له على أبي الفتح فارس.
واقتصر على هذا الوجه (يقصد الإشمام لخلاد في الصراط فقط) في الحرز كالتيسير، والأولى الأخذ بالوجهين كما نبه عليه شيخ مشايخي العلامة المتولي في روضه.
وأشم حمزة كل صاد ساكنة بعدها دال، وذلك في اثني عشر حرفا:
أصدق، في موضعين بالنساء ، ويصدفون ثلاثة في الأنعام، وتصدية في الأنفال، وتصديق بيونس ويوسف، وفاصدع بالحجر، وقصد بالنحل، ويصدر بالقصص والزلزلة.
وأشم خلف كذلك صاد المصيطرون وبمصيطر.
واختلف فيهما عن خلاد بين الإشمام وهو رواية الجمهور عنه وعدمه وهو ثاني الوجهين من قراءة الداني له على أبي الفتح.
[باب هاء الضمير وميم الجمع]
وقرأ حمزة عليهم وإليهم ولديهم بضم الهاء والميم وصلا فإذا وقف أسكن الميم وأجرى الهاء على أصله السابق.
[باب الإدغام الكبير]
وقرأ:
"بيت طائفة" في النساء بإدغام التاء في الطاء
"وأتمدونن بمال" في النمل بإدغام النون في النون مع مد الواو قبلها.
"والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا" ،
"والذاريات ذروا"، بإدغام التاء في الصاد والزاي والذال من غير إشارة مع مد الألف قبلها.
وكذلك روى خلاد إدغام التاء في الذال والصاد من "فالملقيات ذكرا" بالمرسلات و"فالمغيرات صبحا" بالعاديات.
وبالإدغام قرأ له الداني على أبي الفتح، وبإظهارهما قرأ على أبي الحسن.
[باب هاء الكناية]
وأسكن حمزة الهاء في:
يؤده إليك، ولا يؤده إليك في آل عمران
ونؤته منها في آل عمران والشورى
ونوله ونصله في النساء
وضم هاء "لأهله امكثوا" في طه والقصص
وقصر هاء فيه من قوله تعالى "فيه مهانا".
واختلف عنه في هاء "ويتقه" فرواها خلف بالصلة قولا واحدا، ورواها خلاد بوجهين أحدهما الصلة وبها قرأ الداني له على أبي الحسن
والثاني الإسكان وبه قرأ له على أبي الفتح
وقرأ حمزة "وما أنسانيه" في الكهف، و"عليه الله" في الفتح ، بكسر الهاء فيهما، ويلزم منه ترقيق لام الجلالة
[باب المد]
وقرأ بإشباع المد المتصل والمد المنفصل قولا واحدا، أعني مدهما قدر ست حركات
[باب الهمزات]
وقرأ:
ءآمنتم بالأعراف وطه والشعراء، وأءنكم لتأتون الرجال بالأعراف، وأئن لنا بها أيضا وأئنكم لتأتون الفاحشة في العنكبوت، وءأن كان ذا مال في ن، بالاستفهام في الكلمات السبع.
وأءعجمي المرفوع بفصلت بالتحقيق
ويضاهون بضم الهاء من غير همز
ويأجوج ومأجوج في الكهف والأنبياء بإبدال الهمزة ألفا فيهما في الحالين
[باب السكت]
وجاء عنه:
شيء كيف وقع ، وأل التعريف إذا دخلت على همز نحو الآخرة والأنهار، والساكن الواقع آخر كلمة إذا وليه همز.
نحو: من آمن، خلوْا إلى، عذاب أليم
مذهبان:
أحدهما، السكت على لام التعريف، وشيء كيف وقع من الروايتين، وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
وثانيهما، السكت عليهما وعلى الساكن المذكور من رواية خلف وترك السكت من رواية خلاد، وبذلك قرأ الداني على أبي الفتح.
ويشترط في الساكن المذكور أن لا يكون حرف مد.
نحو: بما أنزل، وقالوا آمنا، وفي أنفسكم، فإنه لا خلاف فيه من هذه الطرق ويتحصل من المذهبين
لخلف وجهان:
أحدهما، السكت على الجميع من طريق أبي الفتح
وثانيهما، السكت على أل وشيء كيف وقع فقط من طريق أبي الحسن
ولخلاد وجهان:
أحدهما، ترك السكت على الجميع من طريق أبي الفتح
والثاني، السكت على أل وشيء كيف وقع من طريق أبي الحسن
وهذا التفصيل خاص بالوصل ..
[باب النقل]
وأما الوقف، فله
في شيء كيف وقع: النقل والإدغام على ما سيأتي
وفي أل:
1-السكت من الروايتين، وهو طريق أبي الحسن عنهما،
2-والنقل منهما، وهو طريق أبي الفتح.
ولا يجوز فيه التحقيق بلا سكت على ما حققه ابن الجزري خلافا لبعض شراح الحرز.
وفي المفصول:
التحقيق بلا سكت وبه من رواية خلف، وبدونه فقط من رواية خلاد.
والنقل وخصه جماعة من شراح الحرز برواية خلف وأطلقه آخرون لحمزة بناء على أنه من زيادات الحرز على التيسير وطرقه.
وهذا هو الظاهر من كلام المحقق ابن الجزري، وهو الذي عليه العمل اعتمادا على ما فعله الشاطبي وكثير من أتباعه ولشهرته وصحته في نفسه وإن لم يكن من الطريقين المذكورين على التحقيق،
ويستثنى من ذلك ميم الجمع، نحو: عليكم أنفسكم، إذ لم يجز أحد من القراء النقل إليها لأن أصلها الضم فلو تحركت بالنقل لتغيرت عن حركتها.
[باب السكت على غير الهمز في الكلمات الأربع]
وقرأ: (عوجا قيما، في الكهف. ومرقدنا هذا، في يس. ومن راق، في القيامة. وبل ران، في التطفيف)، بترك السكت مع إدغام نون "من" و "لام" بل في الراء بعدهما.
[باب الوقف على الهمز]
واختص حمزة بتخفيف الهمز وقفا وله في ذلك مذهبان
تصريفي وهو الأشهر،
ورسمي وإليه ذهب الداني وجماعة
أما التصريفي:
فاعلم أن الهمز ينقسم إلى ساكن ومتحرك
أما الساكن
فخمسة أنواع:
1- متوسط بنفسه، نحو: مأكول والمؤمنون والذئب
2- متوسط بحرف، نحو: فأتوا
3- متوسط بكلمة، نحو: الهدى ائتنا، والملك ائتوني، والأرض ائتيا
4- متطرف لازم السكون، نحو: أم لم ينبأ، وهيئ
5- متطرف عارض السكون، نحو: وقال الملأ، ويستهزئ، وإن امرؤا
وحكمه عنده: أنه يخففه بإبداله حرف مد من جنس حركة ما قبله.
ويجوز معه في هاء أنبئهم بالبقرة ، ونبئهم بالحجر والقمر: الضم والكسر.
وفي رءيا بمرريم، وتؤوي وتؤويه ورءيا كيف وقع: الإظهار والإدغام وتمتنع إمالة ألف الهدى ائتنا على المختار
وأما المتحرك
فينقسم إلى ما قبله ساكن وما قبله متحرك
أما المتحرك الساكن ما قبله فأربعة أنواع:
1- ما قبله ساكن غير الألف والواو والياء. نحو: مسئولا، قرآن، الأفئدة، دفء، بين المرء، الخبء.
وحكمه عنده: أنه يخفف بنقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها وحذف الهمزة
2- ما قبله الألف.
وحكمه عنده : أنه يخففه بالتسهيل بين بين، مع المد والقصر، إن كان متوسطا نحو:
جاءنا ودعاء ونداء وهاؤم وأولياء وخائفين والملائكة
ويخففه بإبداله ألفا مع المد و التوسط والقصر إن كان متطرفا
نحو : جاء ومنه الماء وعلى سواء
3- ما قبله الواو والياء الزائدتان
نحو: خطيئة والنسيء وقروء
وتخفيفه بالبدل من جنس الزائد ثم إدغامه فيه.
4- ما قبله الواو والياء الأصليتان
نحو: المسيء لتنوء شيء سوء سيء السوء كهيئة استيأس
واختلف عنه في تخفيفه على مذهبين :
أحدهما: النقل إجراء لهما مجرى الصحيح
ثانيهما: البدل والإدغام، إجراء لهما مجرى الزائدتين.
وأما المتحرك، المتحرك ما قبله
فإن كان مفتوحا بعد ضم. نحو: مؤجلا فؤادك. فتخفيفه بالإبدال واوا
وإن كان مفتوحا بعد كسر. نحو: مائة وفئة وننشئكم. فتخفيفه بالإبدال ياء
وإن كان مكسورا بعد ضم. نحو: سئل وسُئلوا. فتخفيفه بالتسهيل بين بين، وأبدله الأخفش واوا خالصة
وإن كان مضموما بعد كسر. نحو: أنبؤني ومستهزءون. فتخفيفه بالتسهيل بين بين. وأبدله الأخفش ياء خالصة. وجاء عن حمزة حذف همزته مع ضم ما قبلها
وإن كان مفتوحا بعد فتح. نحو: سأل وشنآن. أو مكسورا بعد كسر. نحو: بارئكم ومتكئين. أو فتح. نحو: تطمئن وجبريل. أو مضموما بعد ضم. نحو برءوسكم. أو فتح. نحو: رؤف ويكلؤكم. فتخفيفه بالتسهيل بين بين.
وإذا توسط الهمز بدخول زائد عليه ففيه وجهان:
التحقيق، وهو مذهب أبي الحسن
والتخفيف، وهو مذهب أبي الفتح
والزوائد الواقعة في القرآن عشرة:
هاء التنبيه، ويا النداء، واللام، والباء، والواو، والهمزة، والفاء، والكاف، والسين، ولام التعريف
وأمثلتها: ها أنتم، يا آدم، لأبويه، لأنتم، الأرض، ءأنتم، وأوحي، فأواري، كأنهم، سأوريكم.
وتخفيف الهمز في ذلك، بعد ها التنبيه ، ويا النداء ، بالتسهيل بين بين مع المد والقصر.
وبعد لام التعريف بالنقل كما تقدم.
وبعد غيرهن إن كان مفتوحا بعد كسر فبإبداله يا مفتوحة، وإن كان مفتوحا بعد فتح أو مكسورا بعد كسر أو فتح أو مضموما بعد فتح فبتسهيله بين بين، وإن كان مضموما بعد كسر ففيه التسهيل بين بين والإبدال ياء.
وأما الرسمي:
فاعلم أنه جاء عن سليم عن حمزة أنه كان يتبع في الوقف على كلمة الهمز خط المصحف العثماني.
وقيد ذلك الداني والشاطبي وجماعة من المتأخرين بشرط صحته في العربية.
فكان يبدل الهمزة بما صورت به ، فما صورت فيه ألفا يبدله ألفا، وما صورت فيه واوا يبدله واوا، وما صورت فيه ياء يبدله ياء.
وما لم تصور يحذفها.
واعلم أنه تارة يوافق الرسم القياس، ولو بوجه، فيتحد المذهبان، وتارة يختلفان، ويتعذر اتباع الرسم كما إذا كان قبل الألف التي هي صورة الهمزة ساكن نحو : السوآى فإنه لا تجوز القراءة به لمخالفته للغة وعدم صحته نقلا.
فإن كان في التخفيف القياسي وجه راجح وهو مخالفة ظاهر الرسم ، وكان هذا الوجه الموافق ظاهره مرجوحا قياسا كان هذا أعني المرجوح هو المختار عندهم لاعتضاده بموافقة الرسم ومعرفة ذلك متوقفة على معرفة الرسم فعليك بكتبه تظفر بالرشد.
فصل
تجوز الإشارة بالروم والإشمام في الهمز المخفف بأنواع التخفيف المتقدم ما لم تبدل الهمزة المتطرفة فيه حرف مد،
وذلك شامل لأربع صور:
الأولى: فيما نقل إليه حركة الهمز. نحو المرء ودفء وسوء وشيء، فترام الحركة المنقولة وتشم بشرطه
الثانية: فيما خفف بالإبدال ياء وأدغم فيه ما قبله. نحو: بريء والنسيء. أو واوا وأدغم فيه ما قبله. نحو: قروء وسوء وشيء عند من أدغمه ففيه الروم والإشمام كذلك
الثالثة: ما أبدلت الهمزة المتحركة فيه واوا أو ياء على التخفيف الرسمي. نحو: الملؤا والضعفؤا ومن نبأي وإيتاءي
الرابعة: ما أبدل كذلك على مذهب الأخفش. نحو: لؤلؤ ويبديء. أما المبدل حرف مد فإنه لا يدخله روم ولا إشمام. نحو: اقرأ ونبئ، مما سكونه لازم. ونحو يبدئ وإن امرؤا مما سكونه عارض.
نعم يجوز الروم بالتسهيل في الهمز إذا كان طرفا متحركا بغير الفتح بعد حركة نحو: ويبدئ ومن شاطئ أو بعد ألف نحو يشاء والماء ومن السماء ومن ماء.
فإذا رمت حركة الهمزة في ذلك تسهلها بين بين تنزيلا للنطق ببعض الحركة منزلة النطق بجميعها. وهو مذهب الشاطبي وكثير من أهل الأداء وبعض النحاة وأنكره جمهورهم بدعوى أن سكون الهمز وقفا يوجب الإبدال حملا على الفتحة قبل الألف فهي تخفف تخفيف الساكن لا تخفيف المتحرك، فلا يجوز على هذا سوى الإبدال، ورده الشاطبي ومن تبعه وعدوه شاذا وصحح المحقق ابن الجزري الوجهين.