Admin Admin
عدد الرسائل : 142 العمر : 52 تاريخ التسجيل : 06/06/2007
| موضوع: حكم مرتكب الكبيرة الجمعة يونيو 22, 2007 4:54 pm | |
| اختلفت المذاهب والأنظار فيمن ترك شعبة من شعب الإيمان دون الشعبة العليا التي يكفر من تركها، وغير هذه التي ينقص إيمانه بها قليلاً؛ كأن يكون شرب خمراً ومات عَلَى ذلك فما حكمه؟ مرتكب الكبيرة عند الخوارج والمعتزلة [color=black]الخوارج والمعتزلة جعلوا مرتكب الكبيرة، كمن ترك شهادة أن لا إله إلا الله، كافراً خارجاً عن الملة في الدنيا، وفي الآخرة خالداً مخلداً في النَّار أيضاً، وَقَالُوا: الشَّفَاعَة لا تنفع الكافر الخارج عن الملة، واختلفوا في اسمه في الدنيا -فقط - [color:2a07=black:2a07]فالخوارج قالوا: كافر في الدنيا وفي الآخرة خالد مخلد في النار. وقالت المعتزلة : لا نسميه في الدنيا كافراً ولا مؤمناً؛ بل هو في منزلة بين المنزلتين لأنه يوجد في نظرهم أدلة ترجح أنه كافر، وأدلة ترجح أنه مؤمن فعجزوا عن الترجيح بينهما، وهو في الآخرة خالد مخلد في النار، فحينئذ لا تنفعه الشَّفَاعَة، فشفاعته عمله فقط، يعمل الطاعات فيدخل الجنة، أما أن يشفع له شخص آخر وهو لم يعمل فلا شفاعة له، ولا يدخل الجنة، فأغلقوا الباب نهائياً.مذهب أهل السنة في مرتكب الكبيرة أما أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَقَالُوا: هذا الذي فعل محرماً أو ترك واجباً، هو مؤمن ناقص الإيمان ينقص إيمانه بقدر نقصان شعب الإيمان وتركه لها، والنَّاس كلهم يتفاوتون في الإيمان، فبعضهم يرتفع إيمانه حتى يصل إِلَى درجة عليا ثُمَّ يفتر عن العبادة والطاعة فينقص إيمانه، ولذلك فالإِنسَان يحتاج دائماً إِلَى تذكير؛ لأنه كلما تذكر زادت شعب الإيمان وطاقة الإيمان عنده فيزيد إيمانه.مذهب المرجئة في مرتكب الكبيرة وأما المرجئة فيقولون: الإيمان كامل في القلب، أما الأعمال فسواءً زادت أو نقصت، فلا تأثير لها عَلَى ما في القلب.أدلة أهل السنة والجماعة في حكم مرتكب الكبيرة يستدل أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ بأحاديث كثيرة، منها: حديث الرجل الذي شرب الخمر فسبه الصحابة، ومع هذا شهد له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي لا ينطق عن الهوى بأنه يحب الله ورسوله. إذاً فقد تقع من المؤمن المعاصي كحالة استثنائية خارجة عن أصل المنهج الطريق الذي يمشي عليه، فتقع منه المعصية بالطبيعة البشرية لإغواء الشيطان له، أو لأي أمر من الأمور؛ لكنه لا يكفر صاحبها بمجرد أنه فعل المعصية، فهذا رجل يحب الله ورسوله، وقد وقع منه أن شرب الخمر. ولقد وقع زنا من بعض الصحابة مثل ماعز والغامدية فلم يكفرهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن أقام عليهم الحد، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ومن عوقب به في الدنيا، فهو كفارة له} كما في حديث البيعة الصحيح لما بايعهم، ولذا قال ماعز : طهرني يا رَسُول الله! والمرأة تقول: طهرني يا رَسُول الله يرجون التطهير في الدنيا. فهل التطهير ينفع في حق الكافر من غير أن يؤمن! ولو زنى الكافر هل نجلده أم لا؟ اختلف العلماء، والصحيح أنه يجلد كما في قصة اليهوديان اللذان نزلت فيهما الآيات العظيمة، واللذان بسببهما كانت القصة المشهورة لما وضعوا أيديهم عَلَى حد الرجم، وأقيم عليهم الحد، فأحكام الإسلام وحدوده تجري حتى عَلَى الكفار، وإلا فكيف يقَالَ: إذا زنى المسلم جلدناه، وإذا زنى الكافر قلنا له: أنت كافر لا نقيم عليك الحد!! بل نقول: الإيمان بينه وبين ربه، لأن الله أمرنا أن نأخذ منهم الجزية عن يد وهم صاغرون، وأن يكون حالنا معهم مثل حال الرَّسُول مع اليهود حين حالفوه وكانوا مواطنين في حكم الدولة المسلمة، فما داموا تحت حكم الْمُسْلِمِينَ فعلى الْمُسْلِمِينَ أن يقيموا عليهم الحدود، ولا يسمحوا لهم بالزنا ولا بشرب الخمر. فالمقصود أن تقام حدود الإسلام حتى عَلَى الكافر، ومن عوقب في الدنيا فهو كفارة له، وإذا زنا المسلم أو شرب الخمر أو فعل معصية من المعاصي ثُمَّ مات عَلَى ذلك ولم يتب فحكمه عند أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ في الآخرة أنه تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. ومغفرة الله تنال الإِنسَان يَوْمَ القِيَامَةِ بعدة أسباب منها: شفاعة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ يشفع الشافعون لأهل الكبائر، ويشفع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما سيأتي تفصيل ذلك في قول المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: [ويشفعون لأهل الكبائر]. ومنها: أن يكون عفو الله مقابل التوحيد وإن لم يتب، فإن تاب تاب الله عليه، وقد يغفر الله لمن شاء من أهل المعاصي جاهر بالمعاصي من غير لشَّفَاعَة، كما قال الله تعالى: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ [غافر:3] لكن المعتزلة والخوارج قالت: غَافِرِ الذَّنْبِ لمن تاب، فنقول: إذا كَانَ غافر الذنب لمن تاب فقط فما معنى قوله: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ فمعنى غَافِرِ الذَّنْبِ أي: أنه يتكرم ويتجاوز من عنده من غير توبة ولا شفاعة، مثل: صاحب البطاقة التي لا يوجد فيها غير التوحيد، وتسع وتسعون سجلاً من المعاصي، ويغفر الله له مقابل التوحيد بلا شفاعة {يا ابن آدم لو أنك لو لقيتني بقراب الأرض خطايا -أي: بملئ الأرض من الذنوب والخطايا- ثُمَّ لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لقيتك بقرابها مغفرة} فإذا لقيه لا يشرك به شيئاً فإنه يغفر له بأنواع المغفرة، إما أن يغفر له برحمته وفضله، وإما أن يغفر له بشفاعة الشافعين، وهذا من كرمه وفضله، وهو من جملة تكريمه للشافع أن قبل شفاعته كقبول شفاعة الشهداء والصالحين. وأيضاَ فيها مَنُ الله عَلَى المشفوع بأن جعله ممن تدركه هذه الشَّفَاعَة. إذاً: فمذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ فيه التناسق والعمل بجميع النصوص الواردة، وفيه عدم رد آية أو حديث صحيح. شبهة المعتزلة والخوارج والرد عليها يقول أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ في مرتكب الكبيرة: لا ننفي عنه اسم الإسلام بالكلية لكن تسلب عنه أسماء المدح، فشارب الخمر لا نقول: إنه من المحسنين ومن المقربين، ولكن يستحق أن يقَالَ: إنه فاسق وعاصي وفاجر وغيرها من أسماء الوعيد، فتسلب عنه أسماء المدح، ولا يطلق عليه اسم الكفر أبداً، والخوارج لهم شبهات لعل تفصيلها سيأتي إن شاء الله، ومن أهم ما خفي عَلَى الخوارج والمعتزلة أنهم جعلوا الفسق والضلال والفجور والكفر بمعنى واحد، وهل هو كذلك في ديننا؟! الجواب: أن الكفر معناه واحد، ولكن الضلال قد يكون كفراً وقد يكون عصياناً، والفسق قد يكون كفراً مثل فسق إبليس كما قال الله عنه: فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف:50] وقد يكون معصية وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:4] أي: الذين يقذفون المحصنات. وكذلك الظلم فتارة يطلق عَلَى الشرك، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] وتارة يطلق عَلَى المعاصي التي دون الشرك: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ [فاطر:32] أي من هذه الأمة، فيطلق عَلَى من ارتكب كبيرة أنه ظالم: لأنه وضع الشيء في غير موضعه، ويطلق عَلَى الكافر ظالم: لأنه صرف العبادة لغير الله، وحقها أن تكون لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وإنما أنكرت المعتزلة والخوارج هذه الشَّفَاعَة لأنها تتناقض مع أصل مذهبهم في الإيمان وهو: أن صاحب الكبيرة كافر مخلد في النَّار ولا يقَالَ: إنه ناقص الإيمان بل ذهب إيمانه بالكلية، والذين أثبتوا الشَّفَاعَة وغلوا في إثباتها حتى خرجوا عن الصراط المستقيم: هم المُشْرِكُونَ الواقعون في الشرك الذين جعلوا عبادة غير الله شفاعة، فأخلوا بالشَّفَاعَة الشرعية الصحيحة التي سوف يأتي تفصيلها بإذن الله. ومذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ في مرتكب الكبيرة أنه في الدنيا لا يخرج من الملة وإنما يسلب عنه أسماء المدح فقط مثل التقوى والإيمان وغير ذلك، ومع ذلك يبقى له اسم الإيمان بمعنى الإسلام، ولا يخرج من الملة، وفي الآخرة يكون من أهل الشَّفَاعَة، ابتداءً من القوم الذين يغفر الله لهم أو يشفع فيهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أثناء الحساب، وانتهاءً بالجهنمين، وهم آخر من يخرج من النار، بعد أن يشفع الشفعاء كما سيأتي في حديث الشَّفَاعَة الطويل . فهذه هي الفرق والمذاهب في مسألة الشَّفَاعَة، وأما شفاعة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي ذكرها الإمام الطّّحاويّ هنا فما هي إلا فرع واحد من أنواع الشَّفَاعَة. | |
|