القراءات ( حسام احمد )
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى يهتم بدراسات القران الكريم ( النصوص منقولة بتصرف )
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الشفاعة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 142
العمر : 51
تاريخ التسجيل : 06/06/2007

الشفاعة Empty
مُساهمةموضوع: الشفاعة   الشفاعة I_icon_minitimeالجمعة يونيو 22, 2007 4:59 pm

النَّاس في الشَّفَاعَةِ عَلَى ثلاثة أقسام: طرفان ووسط.
أهل الغلو في إثبات الشفاعة
أما الطرفان:

فأولهما: المثبتون للشفاعة في غير موضعها ولغير أهلها، سواء كَانَ ذلك في الشافع أو في المشفوع له، فهَؤُلاءِ غلوا في إثبات الشَّفَاعَةِ، وجعلوها في غير ما أنزل الله تَعَالَى إما أنهم جعلوا من ليس أهلاً في الشَّفَاعَةِ شافعاً، والله لم يجعله شافعاً، أو جعلوه مشفوعاً له، ولم يأذن الله تَعَالَى بأن يُشْفَع له، وغلوا في ذلك حتى آل بهم الأمر إِلَى الشرك الأكبر.

وهَؤُلاءِ: هم المُشْرِكُونَ قديماً وحديثاً، فأما المُشْرِكُونَ في الجاهلية وقبل بعثة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد أخبر الله عنهم في آيات كثيرة من ذلك قوله سبحانه: [color=black] وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18] أي: يعبدون الأصنام والأحجار التي لا تضر ولا تنفع، كما خاطب إمام الموحدين إبراهيم عَلَيْهِ السَّلام قومه بقوله: قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * [color:bc92=black:bc92]أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ [الشعراء:72، 73] لا ينفعون ولا يضرون ولكن العلة هي الشَّفَاعَة، ومن ناحية أخرى الوسيلة، ولهذا فموضوع الشَّفَاعَةِ والوسيلة له ارتباطات، فهَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ اتخذوا من غير الله آلهة وعبدوا من دون الله ما لا يضرهم، ولا ينفعهم من الأصنام الجامدة، أو من الصالحين، أو من الموتى الهالكين الغابرين، وكل ذلك بحجة أن هَؤُلاءِ شفعاؤنا عند الله.

وفي الآية الأخرى مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] هي أيضاً بهذا المعنى، فإن الذي يقرب إِلَى الله هو الشافع الوسيط المتوسل به الذي يصل الإِنسَان إِلَى مراده وغايته، فهَؤُلاءِ جعلوهم شفعاء عند الله، وهذا شرك في حقيقته، وإن كانت هذه الأصنام لا تخلق وترزق، ولا تستحق العبادة وحدها؛ لكن يقولون: نعبد الله وهو إله واحد وهذه الآلهة تشفع لنا عند الله، وقد كانوا في الجاهلية يقولون: "لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك" فلا يجعلون هذا الشفيع واسطة فقط يقرب ويشفع عند الله؛ بل مع ذلك يجعلونه مملوكاً لله فقد قالوا: "تملكه، وما ملك" ومع ذلك فهذا بعينه هو الشرك الأكبر.

والشَّفَاعَةُ إذا نظرنا إليها من أصلها اللغوي وجدنا أن الشفع في اللغة هو: ضد الوتر، بمعنى: الاقتران أو الضم فمثلاً (2،4،6،...) هذه الأعداد تسمى الأعداد الشفعية فتقول: شفعت هذا بهذا، ضممت هذا إِلَى هذا، فالواحد وتراً لكن الاثنان شفعاً؛ لأنك ضممت واحد إِلَى واحداً فأصبحت شفعاً.

فالذي يحصل أن الْمُشْرِكِينَ يضمون مع الله تَعَالَى غيره، وذلك: بأن يدعو الله، ويدعو غير الله، ويقول قائلهم: هذا يشفع لي عند الله، فأنا عندما أدعو الله أنا ضعيف، ومذنب، ومقصر، كيف أدعو الله وأتقرب وأتوسل إليه بعملي أنا؟ فماذا أصنع؟! أشفع دعائي بدعاء رجل صالح! أو بدعاء الولي الفلاني، أو النبي الفلاني، أو بالأصنام أياً كانت، فأضم هذا إِلَى عملي، فيصبح الأمر أرجى للقبول عند الله تعالى، وهذا ما يفعله المتعلقون بالأموات والقبوريين في الجاهلية والإسلام.

فهَؤُلاءِ الذين أثبتوا الشَّفَاعَة، وغلوا في إثباتها، جعلوها في غير موضعها لأن هذه الأصنام لا تشفع، لأنها أحجار صماء بكماء، وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28] وقوله: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه [البقرة:255] فالشَّفَاعَةُ لمن ارتضى ولمن أذن الله تَعَالَى ولمن شهد بالحق وهم يعلمون، لأهل التوحيد والإيمان يشفع الله ما شاء له أن يشفع.

أهل التفريط والإنكار
وهم الذين أنكروا الشَّفَاعَة بالكلية، وهَؤُلاءِ هم [color=black]المعتزلة و[color:bc92=black:bc92]الخوارج ، فهم ينكرونها بناءاً عَلَى أصلهم الفاسد في حكم مرتكب الكبيرة.

فـأهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ والسلف الصالح رَضِيَ اللهُ عَنْهُم كلهم أجمعوا عَلَى أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، كما صرحت بذلك الآيات من كتاب الله، والأحاديث الثابته من كلام رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو قول وعمل واعتقاد أي: اعتقاد بالباطن وانقياد وإذعان بالظاهر، وقد نقل الإجماع عَلَى ذلك عدد من أئمة السلف منهم الإمام البُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ، كما روى عنه اللالكائي بسند صحيح قَالَ: "رويت عن أكثر من ألف من أهل العلم ولم أنقل إلا عمن يقول الدين قول وعمل". وهذا هو قول الأمة قبل أن تظهر بدعة المرجئة والخوارج فهذا معنى قولنا: إن السلف قالوا: إن الإيمان قول وعمل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkoraan.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 142
العمر : 51
تاريخ التسجيل : 06/06/2007

الشفاعة Empty
مُساهمةموضوع: اسباب انكار الشفاعة   الشفاعة I_icon_minitimeالسبت يونيو 23, 2007 1:31 am

أسباب إنكار الشفاعة:

وأما الشفاعة التي اختلفت فيها فرق الأمة الإسلامية فمنهم من أنكرها بالكلية وهم [color=black]المعتزلة و[color:c9d5=black:c9d5]الخوارج وسبب إنكارهم لها هو الغلو، فالذين غلوا في نفي الشفاعة هم في الأصل ممن غلا في العبادة والطاعة بزعمه، فخرج به ذلك عن الصراط المستقيم، والشيطان يخرج المرء عن الصراط المستقيم وعن الجادة، إما بالغلو في الطاعة، فيفعل ما لم يشرع الله تعالى، وإما بالتقصير في العبادة حتى يتركها بالكلية عافنا الله وإياكم من ذلك.

وأهل السنة والجماعة دائماً وسطاً بين غلو الغالين، وبين تفريط المفرطين فقد كان الخوارج من أعبد الناس، حتى أن ركبهم كانت كركب الإبل من كثرة الركوع والسجود، وشحوب اللون في وجوههم من كثرة السهر بالقراءة والتلاوة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصفهم { تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وعبادتكم إلى عبادتهم } وكذلك المعتزلة قد يقول قائل: المعتزلة زنادقة في الغالب وبالأخص المؤسسين، فكيف يكونو مجتهدين في العبادة؟

ولكن في الحقيقة أن أوائل المعتزلة كانوا من الغلاة في التعبد.

ومنهم: عمرو بن عبيد إمام المعتزلة الأول مع واصل بن عطاء وكان عمرو بن عبيد من أشد الناس زهداً في الدنيا، وكان شديد التنسك وشديد العبادة كأنه من الخوارج -وهو كذلك- فهم في الحقيقة فرقة من الخوارج ، أو أقرب الناس إليهم، واختلط المذهبان فيما بعد حتى أصبحا شيئاً واحداً، فكان هذا هو حال أولئك المعتزلة ، ولكن الأمر ليس أمر اجتهاد في العبادة، ولكن الأمر أمر اتباع، فمهما اجتهد المجتهد ولم يتبع، فإنه سيخرج ويضل، فهؤلاء لم يتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولذا غلوا في الحكم على مرتكب الكبيرة.

فقالوا: إن الزاني كافر، وشارب الخمر كافر، وكلهم محرومون من الشفاعة وهذا غلو، وقد يقال: إن هذا الغلو من شدة نفورهم من الزنا، وشرب الخمر والمعاصي، ولكن نفور النفس من الشيء لا تجعلني أجعل المكروه محرماً أو أجعل المحرم كفراً، وكذلك رغبة النفس في الشيء لا تجعلني أجعل الحرام مجرد مكروه أو حتى أقول مباح -والعياذ بالله كما نقول اليوم الأمر بسيط- فإخلاص الدين لله تعالى لا يكون إلا باتباع أمر الله سواء وافق الهوى أم خالفه في أي أمر من الأمور، وإلا فإن من الناس من يكره الزنى؛ لأنه لا يريده وفي الغرب يسمون هؤلاء الناس معقدين جنسياً، لأنه لا يستطيع أن يزني ولا يتزوج، فهل نقول: إنه يؤجر أو أن ينسب إلى أي فضيلة، كما يقال: هذا إنسان مترفع ومتسامي عن هذه الفاحشة والرذيلة، والقضية ليست قضية عقد ولا قضية أهواء.

ولكن يجب أن يكون حب الإنسان وكرهه موافقاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم . فتحب من أمرك الله بحبه، فشارب الخمر فيه جانبان، جانب إسلامه، فيراعى أنه مسلم، فتعطى له حقوق المسلم العامة، وجانب المعصية فيراعى فيه أنه عاص فلا تعامله معاملة التقي البار ولا معاملة الكافر، ولكن بين ذلك.

وله عليك بعض الحقوق، ومن هذه الحقوق: حق النصح، وحق التذكير والوعظ، وعدم التشهير، وعدم الفضح، وإلا أعنت الشيطان عليه، ثم هذا الإنسان العاصي نأمل ونرجو له الشفاعة -شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره- ولا سيما إذا كان عند الموت، فالأمل والرجاء في رحمة الله وفي مغفرته فهذه من الأسباب التي قد تفيد العاصي وترده إلى الجادة، فإنك إذا سألت بعض الناس، فإنه يقول لك: أنا لا تنفعني الشفاعة لأني غلطت وفعلت كذا وكذا، وكأنه يريد أن يقول: أنا أريد أن أستمر على المعصية، فإذا قلت له: إن الله تعالى يغفر الذنوب جميعاً، ويقبل توبة عبده فتب وأنب إليه، رغّبه فقد يكون من أسباب رجوعه هنا الترغيب . لكن إذا يأس في الدنيا والآخرة كما فعلت الخوارج والمعتزلة عندما يأست العباد، فكيف تريد منه أن يتوب؟ لكن أهل السنة والجماعة يرغبون الإنسان ويهدونه إلى الطريق المستقيم، ثم هم يعملون بالسنة، ويتبعون الحق.

فلو أن أهل الكبائر كلهم كفار ولا شفاعة لهم يوم القيامة، فلماذا النبي صلى الله عليه وسلم يقتل الرجل من الكفار؛ لأنه كافر، ويقتل الرجل من المسلمين ؛ لأنه قتل، ثم يأخذ هذا حكم وهذا حكم، ويصلي على المسلم صلاة الجنازة ولا يصلي على الكافر...، إلى آخر الأحكام، وغيرها مثل: شارب الخمر، والزاني، والسارق، فهذا التفاوت دليل على تفاوت أحوال الناس، ولو كان الأمر كما يقول هؤلاء الناس، لكان حكم الجميع هو القتل، وهذا الكلام كافٍ لإيضاح مذهب أهل السنة والجماعة ومذهب المخالفين لهم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkoraan.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 142
العمر : 51
تاريخ التسجيل : 06/06/2007

الشفاعة Empty
مُساهمةموضوع: شروط الشفاعة   الشفاعة I_icon_minitimeالسبت يونيو 23, 2007 1:39 am

الشَّفَاعَة لها شرطان: وبعض العلماء يذكر أكثر من ذلك، لكن الأمر يرجع إِلَى شرطين:

الأول: هو إذنُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى للشافع، سواءً كَانَ هذا الشافع ملكاً، أو رَسُولاً، أو عبداً صالحاً، أو شهيداً، أو غير شهيد، أو مَنْ شاء الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- من الشفعاء.

الثاني: رضى الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عن المشفوع له، فالشَّفَاعَة تتركب من شافع ومشفوع له ومشفوع لديه، وهو الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
أدلة ذكر الشفاعة من القرآن
الأدلة عَلَى الشَّفَاعَة جلية من كتاب -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وكذلك من سنة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول في آية الكرسي: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ ألا بِإِذْنِه [البقرة:255] في هذه الآية العظيمة التي هي أعظم أية في كتاب الله لِمَا اشتملت عليه من صفات الألوهية وخصائصها التي هي صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والتي لا يشاركه فيها أحد نفي الله الشَّفَاعَة عن كل أحد إلا بإذنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن أذن له من العباد أن يَشْفَع فإنه يَشْفَع بإذنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وفي سورة النجم يقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عن الملائكة الذين هم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ولا يرتكبون ما يرتكبه بنو آدم من الذنوب والخطايا يقول عنهم: [color=black]وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26] فجعل الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى إذنه شرطاً لشفاعة الملائكة وهم من عباد الله المكرمين الذين كانت بعض الأمم يعبدونهم ويظنون أن فيهم خصائص الألوهية، ويصرفون بعض أنواع العبادة لهم، فبين الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنهم لا يشفعون إلا من بعد أن يأذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لمن يشاء ويرضى، وذكر من صفاتهم أيضاً في الآية الأخرى قوله: [color:3669=black:3669]وَلا يَشْفَعُونَ ألا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28] فإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للملائكة أو للرسل أو لغيرهم هو الشرط الأول. ورضاه عن المشفوع له هو الشرط الثاني.

والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما قال :[color=black] وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر:7] فالله تَعَالَى لا يرضى عن الكافرين ولا يحبهم؛ ولذا لا تنفعهم شفاعة الشافعين كما أخبر الله بذلك، وخص الشَّفَاعَة بقوله:[color:3669=black:3669] إلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86] فالشَّفَاعَة خاصة ومحصورة في أهل التوحيد فيمن شهد بالحق وهم يعلمون، فمن شهد شهادة أن لا إله إلا الله، وهو عالم بمعناها، عامل بمقتضاها، فهَؤُلاءِ هم الذين يستحقون الشَّفَاعَة، هذه بعض الآيات في ذلك.

الأدلة من السنة على ثبوت الشفاعة
أما من السنة: فالحديث العظيم حديث الجهنميين الذي رواه أكثر من صحابي ومنهم: [color=black]أَبو هُرَيْرَة وأبو سعيد الخدري كما في الروايات التي في [color:3669=black:3669]صحيح البُخَارِيّ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفيه {فيخرجون من النَّار وهم آخر النَّاس خروجاً} وهَؤُلاءِ هم الذين يقال لهم: الجهنميون، {فيخرجون من النَّار وقد امتحشوا وصاروا فحماً فيلقيهم الله -عَزَّ وَجَلَّ- في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحميلة في طرق السيل -كما ينبت النبات الذي يكون عَلَى طرف السيل- ثُمَّ يدخلهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الجنة برحمته} .

وهذا يكون بعد أن يشفع الشافعون من الملائكة وعباد الله الصالحين ويتحنن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى من بعد ذلك عَلَى من يشاء كما في رواية المسند {ثُمَّ يتحنن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى من بعد ذلك، فيخرج أقواماً لم يعملوا خيراً قط} فهَؤُلاءِ جميعاً الذين هم آخر من يخرج من النَّار تنالهم الشَّفَاعَة وهَؤُلاءِ كلهم من الموحدين .

فلا حظَّ ولا نصيب في الشَّفَاعَة لمشرك إلا في حالة خاصة سيأتي شرحها إن شاء الله تَعَالَى وهي حالة أبي طالب مع العلم أن الإخراج من النَّار لا يكون أبداً لمشرك وإنما هو خاص بالموحدين، ولهذا فإن الجهنميين -كما ورد في نص الحديث الصحيح- يعرفهم الشافعون بعلامة السجود؛ لأن النَّار تأكل ابن آدم إلا آثار السجود.

كما يدل الحديث أن تارك الصلاة ليس من الْمُسْلِمِينَ ولا يعامل معاملة الموحدين ولا تنفعه شفاعة الشافعين، قال الله تَعَالَى في شأنهم: [color=black]قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * [color:3669=black:3669]وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر:43-46].

فهَؤُلاءِ الذين ليس لهم علامة السجود كيف يخرجون من النار؟

وكيف يعرفهم الشافعون ليخرجوهم من الناروأما من يتحنن الله تبارك عليهم ويخرجهم بعد ذلك، فهم إما أنهم كانت فيهم علامة سجود ضيقة ضعيفة لا تكاد تُرى -مثلاً- أو ممن كانت لهم حالة خاصة كمن يعيش في آخر الزمان حيث لا يدري النَّاس ما صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا نسك، وحيث يندرس العلم، فالمسلم في ذلك الزمان هو الذي يقول لا إله إلا الله فقط، لا يعرفون إلا هذه الشهادة -لا إله إلا الله- ومع ذلك هم خير ذلك الزمان، وشر الخلق بالنسبة لمن بعدهم، ثُمَّ يهلكون، ولا تقوم الساعة حتى لا يبقى في الأرض من يقول: لا إله إلا الله، كما أخبر بذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا له تفصيله إن شاء الله في مبحث الحشر والجنة والنار.

والمقصود هنا: أنَّ الذين بلغت بهم المعاصي إِلَى أن تركوا الصلاة أو ارتكبوا أي معصية تخرج صاحبها من الملة فهَؤُلاءِ ليسوا من أهل التوحيد. فكل من ليس من أهل التوحيد وكان من أهل الكفر: إما كفراً أصلياً أو كفر ردة. فهَؤُلاءِ لا تنالهم الشَّفَاعَة ولا يخرجون من النار.

إثبات الشفاعة بالإجماع
أما ثبوت الشَّفَاعَة بالإجماع: فقد أجمع أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ على إثبات الشَّفَاعَة كما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما وقع الخلاف من أهل البدع ومَنْ حذا حذوهم أو تأثر بهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkoraan.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 142
العمر : 51
تاريخ التسجيل : 06/06/2007

الشفاعة Empty
مُساهمةموضوع: الايات الواردة فى نفى الشفاعة   الشفاعة I_icon_minitimeالسبت يونيو 23, 2007 10:04 am

الآيات الواردة في نفي الشّفاعة والشفيع:



قال الله تعالى: {واتّقوا يومًا لا تجْزي نفس عن نفس شيئـًا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل[1] ولا هم ينصرون

وقال تعالى:{ياأيها الّذين آمنوا أنفقوا ممّا رزقنـاكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلّة[ولا شفاعة والكافرون هم الظّالمون
وقال تعالى حاكيًا عن بعض الصالحين:{أأتّخذ من دونه آلهةً إن يردن الرّحمن بضرّ لا تغن عنّي شفاعتهم شيئًا ولا ينقذون}

في هذه الآيات نفي الشّفاعة.

وقال تعالى:{وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم ليس لهم من دونه وليّ ولا شفيع لعلّهم يتّقون

وقال تعالى:{وذر الّذين اتّخذوا دينهم لعبًا ولهوًا وغرّتْهم الحياة الدّنيا وذكّر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله وليّ ولا شفيع وإن تعـدل كلّ عدل لا يؤخذ منـها أولئك الّذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون}[color:da13=black:da13][8].

وقال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبّئون الله بما لا يعلم في السّموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عمّا يشركون}[color:da13=black:da13][10].

وقال تعالى حاكيًا عن أهل النار:{فما لنـا من شافعين ولا صديق حميم، فلو أنّ لنا كرّةً فنكون من المؤمنين}[12]

ومعنى حميم : قريب، وكرّة: رجعة إلى الدنيا.

وقال تعالى: {الله الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّام ثمّ استـوى على العـرش[13] مـا لكم من دونه من وليّ ولا شفيع أفلا تتذكّرون}[14].

[color:da13=black:da13]وقال تعالى: {أم اتّخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئًا ولا يعقلون، قل لله الشّفاعة جميعًا له ملك السّموات والأرض ثمّ إليه وقال تعالى: {وأنذرهم يوم الآزفةإذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظّالمين من حميم ولا شفيع يطاع}

في هذه الآيات نفي الشفيع.

[


عدل سابقا من قبل في السبت يونيو 23, 2007 10:26 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkoraan.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 142
العمر : 51
تاريخ التسجيل : 06/06/2007

الشفاعة Empty
مُساهمةموضوع: الايات الواردة فى اثبات الشفاعة   الشفاعة I_icon_minitimeالسبت يونيو 23, 2007 10:06 am

الآيات في إثبات الشّفاعة والشفيع:



قال الله تعالى:{من ذا الّذي يشفع عنده إلا بإذنه}[1].

وقال تعالى:{ما من شفيع إلا من بعد إذنه}[2].

وقال تعالى:{وقالوا اتّخذ الرّحمن ولدًا سبحانه بل عبـاد مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، يعلم ما بين أيديهم وما خـلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون[3]}[4].

فهي هذه الآيات إثبات الشفيع بشروط وستأتي إن شاء الله.

وقال الله تعالى: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربّي نسفًا، فيذرها قاعًا صفصفًا[5]، لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا، يومئذ يتّبعون الدّاعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرّحمن فلا تسـمع إلا همسـًا[6]، يومئذ لا تنفع الشّفاعة إلا من أذن له الرّحمن ورضي له قولاً}[7].

وقال تعالى: {ولا يملك الّذين يدعون من دونه الشّفاعة إلا من شهد بالحقّ وهم يعلمون}[8].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: {ولا يملك الّذيـن يدعون من دونه} أي: من الأصنام والأوثان {الشّفاعة} أي: لا يقدرون على الشّفـاعة لهم {إلا من شهد بالحقّ وهم يعلمون} هذا استـثناء منقطع، أي: لكن من شهد بالحقّ على بصيرة وعلم فإنه تنفع شفاعته عنده بإذنه له. اهـ

وقال تعالى:{وكم من ملك في السّموات لا تغني شفاعتهم شيئـًا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى}[9].

هذه الآيات تدل على الشّفاعة المثبتة بشروط ستأتي إن شاء الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkoraan.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 142
العمر : 51
تاريخ التسجيل : 06/06/2007

الشفاعة Empty
مُساهمةموضوع: الجمع بين الاحاديث   الشفاعة I_icon_minitimeالسبت يونيو 23, 2007 10:07 am

الجمع بين الآيات المثبتة والآيات النافية:



يتحصل من هذا أن النفي مقصود به الشّفـاعة التي تطلب من غير الله، كما قال تعالى: {قل لله الشّفاعة جميعًا} [1] والشّفاعة المثبتة لا تقبل إلا بشروط:

1- قدرة الشافع على الشّفاعة كما قال تعالى في حق الشافع الذي يطلب منه وهو غير قادر على الشّفاعة: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبّئون الله بما لا يعلم في السّموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عمّا يشركون} [2]، وقال تعالى: {ولا يملك الّذين يدعون من دونه الشّفاعة إلا من شهد بالحقّ وهم يعـلمون} [3] فعلم من هذا أن طلب الشّفاعة من الأموات طلب ممن لا يملكها، قال تعالى: {والّذين تدعـون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجـابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبّئك مثل خبير} [4] وقال تعالى: {قل ادعوا الّذين زعمتـم من دون الله لا يملكـون مثقـال ذرّة في السّموات ولا في الأرض وما لهم فيـهما من شرك وما له منـهم من ظهير، ولا تنفع الشّفاعة عنده إلا لمن أذن له}[5].

2- إسلام المشفوع له، قال الله تعالى : {ما للظّالمين من حميم ولا شفيع يطاع} [6]، والمراد بالظالمين هنا: الكافرون، بدليل الأحاديث المتواترة في الشّفاعة لأهل الكبائر، وستأتي إن شاء الله في موضعها. قال الحافظ البيهقي رحمه الله في "الشعب" (ج1 ص205): فالظالمـون هاهنا هم الكافرون، ويشهد لذلك مفتتح الآية إذ هي في ذكر الكافرين. اهـ

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: أي ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله من قريب منهم ينفعهم، ولا شفيع يشفع فيهم، بل قد تقطعت بهم الأسباب من كل خير. اهـ

ويسـتثنى من المشركين أبوطالب، فإن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يشفع له حتى يصـير في ضحضـاح من نـار كما سيـأتي في الأحاديث في مواضعها إن شاء الله.

3- الإذن للشـافع، كما قـال تـعالى: {من ذا الّذي يشـفع عنده إلا بإذنه}[7].

4- الرّضا عن المشفوع له كما قال تعالى: {وكم من ملك في السّموات لا تغني شفاعتهم شيئًا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} [8] وقال تعالى:{ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}[9].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkoraan.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 142
العمر : 51
تاريخ التسجيل : 06/06/2007

الشفاعة Empty
مُساهمةموضوع: خطبة عن الشفاعة   الشفاعة I_icon_minitimeالثلاثاء يونيو 26, 2007 2:01 am

الخطبة الأولى:

قال - تعالى -: (( يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلماً ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً )) [طه:108-112].

إذا كان يوم القيامة ذلت الرقاب كلها إلى الله - عز وجل -، وخاب وخسر كل ظالم، وربح ونجا كل تقي عامل للصالحات وفاز بشفاعة المصطفى.

فما الشفاعة؟ ولماذا؟ وما الشفاعات التي خص بها النبي؟ وما أسبابها؟ وموانعها؟ وما موقف المسلم منها؟

الشفاعة لغة: هي السؤال في التجاوز عن الذنوب.

اصطلاحاً: سؤال الله الخير للناس في الآخرة، فهي نوع من أنواع الدعاء المستجاب.

وينبغي أن تعلم أن الله - تعالى - خص حبيبه المصطفى دون سائر خلقه بأمور كما ورد في الحديثSadأعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأعطيت الشفاعة، وكل نبي بعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة)([1]).

إن الشفاعة لا تبطل قوانين العمل والجزاء فليس في الأمر ما يدعو إلى الغرور أو التهاون في ترك ما كلف الله به عباده، فالأصل والقاعدة هي قانون الجزاء قال - تعالى-: ((فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره )) [الزلزلة:7-8]. وقال - تعالى -: (( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى )) [النجم:38-41].

إن للشفاعة شروطاً:

أ- فهي مقيدة بالإذن من الله - سبحانه - قال - تعالى -: ((من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه )) وللحديث: (فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة)([2]).

ب- وأن تكون لمن رضي الله أن يشفع له قال - تعالى -: ((ولا يشفعون إلا لمن ارتضى )) [الأنبياء:28] ولا يرتضي الله الشفاعة إلا لمن يستحقون عفوه - سبحانه - على مقتضى عدله - عز وجل -.

ج- والشفاعة لا تكون إلا لأهل التوحيد، فمن كان ولاؤه لغير الله ورسوله والمؤمنين فهو محروم، ومن كان من جند الباطل يسعى في نصرة مذهب هدام فهو محروم، ومن اعتقد أن غير منهج الله هو الأصلح للحياة فهو محروم، ومن سخر أو جحد أو أنكر من منهج الله فهو محروم للحديث: (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه)([3]) قال المنذري في كتابه الترغيب والترهيب: " فإذا أقر بالشهادتين ثم امتنع عن شيء من الفرائض جحوداً أو تهاوناً على تفصيل الخلاف فيه حكمنا عليه بالكفر وعدم دخول الجنة"([4]).



وأما لماذا الشفاعة؟

لبيان وإظهار مقام المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لحديث: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر)([5]).

لأنها الدعوة المدخرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (سأل رجل رسول الله: يا رسول الله ألا سألت ربك ملكاً كملك سليمان؟ فضحك رسول الله ثم قال: لعل لصاحبكم (عن نفسه) عند الله أفضل من ملك سليمان، إن الله لم يبعث نبياً إلا أعطاه دعوة، منهم من اتخدها دنياً فأعطيها، ومنهم من دعا بها على قومه إذ عصوه فاهلكوا بها، فإن الله أعطاني دعوة فاختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي يوم القيامة)(6).



وأما أنواع الشفاعة:

النوع الأول: الشفاعة الأولى وهي العظمى الخاصة بنبينا من بين سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين - صلوات الله عليهم أجمعين - فقد رويت في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - أحاديث الشفاعة.

منها: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (أُتى رسول الله بلحم، فدفع إليه منها الذراع، وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة، ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون لم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون إلى ما أنتم فيه؟ ألا ترون إلى ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم، فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحاً، فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبداً شكوراً، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه كانت لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي نفسي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم، فيقولون: يا إبراهيم، أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وذكر كذباته، نفسي نفسي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنت رسول الله، اصطفاك الله برسالاته وبتكليمه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى: إن ربي قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفساً لم أومر بقتلها، نفسي نفسي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، قال: هكذا هو، وكلمت الناس في المهد، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى: إن ربي قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر له ذنباً، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد، فيأتوني، فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، غفر الله لك ذنبك، ما تقدم منه وما تأخر، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأقوم، فآتي تحت العرش، فأقع ساجداً لربي - عز وجل - ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، يا رب أمتي أمتي، يا رب أمتي أمتي، فيقول: أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سواه من الأبواب، ثم قال: والذي نفسي بيده لما بين مصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى)([6]). أخرجاه في الصحيحين بمعناه، واللفظ للإمام أحمد.

النوع الثاني: الشفاعة لأهل الجنة حتى يدخلوها لحديث: (آتي باب الجنة يوم القيامة فاستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك)([7]).

فأهل الجنة لا يدخلون الجنة إلا بشفاعته - عليه الصلاة والسلام - وهو أول من يدخلها.

النوع الثالث: شفاعته لأهل الكفر وهذا خاص بعمه أبي طالب لمواقفه ودفاعه عن رسول الله: (سأل العباس بن عبد المطلب رسول الله هل أنت نافع عمك بشيء فإنه (أي أبا طالب) كان يغضب لك ويحوطك؟، فقال: نعم لقد نفعته، إنه في ضحضاح من النار (أي قليل منه) ينتعل نعلين من حرارتهما يغلي دماغه، وإنه لأهون أهل النار عذاباً ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)([8]).

النوع الرابع: شفاعته لأهل التوحيد من أهل المعاصي بعد أن ينالوا نصيبهم من النار للحديث: (يضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ولا متكلم يومئذ إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلم، اللهم سلم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان تخطف الناس بأعمالهم فمنهم من يوبق بعمله، ومنهم من يخردل ثم ينجو)، وقال رسول الله: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة) وقال رسول اللهSadفيخرجون من النار فكل ابن آدم تأكله النار إلا آثار السجود فيخرجون من النار وقد امتحشوا (احترقوا) فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة)([9]).

ومن الشفعاء: الأنبياء والعلماء والشهداء والقرآن:

أ - القرآن لحديث: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)([10]).

ب- الشهيد للحديث: (يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته)([11]).

ج- الأنبياء والعلماء للحديث: (يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء)([12]).

د- المؤمنون للحديث: (إن من أمتي من يشفع للفئام (الجماعة من الناس) ومنهم من يشفع للقبيلة، ومنهم من يشفع للعصبة، ومنهم من يشفع للرجل حتى يدخلوا الجنة)([13]).

هـ – الأبناء لآبائهم للحديث: (إن رجلاً كان يأتي رسول الله ومعه ابن له ففقده النبي فقال: ما فعل ابن فلان، قالوا: يا رسول الله مات، فقال النبي لأبيه: أما تحب أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك فقال رجل: يا رسول الله أله خاصة، أو لكلنا؟ قال: بل لكلكم)([14]).

أو بسبب دعائهم للحديث: (إن الله - عز وجل - ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا رب أنى لي هذه، فيقال: باستغفار ولدك لك)([15]).

و- الصيام للحديث: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول: الصيام أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان)([16]).

ز- شفاعة المصلين على الميت للحديث: (ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مئة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه) ([17]).



وأما أسباب نيل شفاعة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -:

* الصلاة على النبي وطلب الوسيلة له للحديث: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، من سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة)([18]).

* الصلاة على رسول اللهSadإن أولى الناس بي (أي بشفاعتي) يوم القيامة أكثرهم علي صلاة) ([19]).

* سكنى المدينة للحديثSadمن صبر على لوائها كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة)([20]).

* كثرة التنفل للحديثSadسأل خادم لرسول الله فقال: حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة، فقال: فأعني بكثرة السجود)([21]).

* قضاء حوائج المسلمين للحديث: (من قضى لأخيه حاجة كنت واقفاً عند ميزانه فإن رجح وإلا شفعت له)([22]).

* الأخوة في الله للحديثSadأنا شفيع لكل رجلين اتخيا في الله من مبعثي إلى يوم القيامة)([23]).



وأما موانع الشفاعة فمنها:

* كثرة اللعن للحديث: (إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة)([24]).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkoraan.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 142
العمر : 51
تاريخ التسجيل : 06/06/2007

الشفاعة Empty
مُساهمةموضوع: الشفاعة عند الشيعة   الشفاعة I_icon_minitimeالثلاثاء يونيو 26, 2007 2:07 am

الشبهة الثالثة: هل الشفاعة يوم القيامة من العدل الإلهي؟ الشفاعة Top
لما استحق المجرمون عقاب الله عز وجل يأتي الشفيع ينقذ المجرم من العذاب برأفته ورحمته مستغلاً منزلته عند الله وبهذا تصبح رحمة الشفيع هذا أوسع من رحمة الله تعالى! فينقذ من العقاب جماعة من المذنبين لهذه الوساطة ويترك جماعة من المذنبين في العقاب الأليم. هل هذه الشفاعة وبهذه الكيفية من العدالة الإلهية؟
في الحقيقة إن هذه الشبهة وبهذا الأسلوب من الطرح نلمس فيها كثيراً من التداخلات في المفاهيم وعموماً لو سايرنا أصحاب هذه الشبهة يفترض علينا تفكيك تداخلاتها وتوضيح الرد عليها.
فالشفاعة على شكلين، شكل مرفوض شرعا وعقلاً وهذا ما يردده اكثر الناس فقد قال تعالى:
(واتقوا يوماً لا تجزى نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون). [سورة البقرة، الآية 148].
والشكل الثاني للشفاعة ما نسميه بالشفاعة المقبولة شرعاً وعقلاً وهو الشكل الثاني. فقد قال تبارك وتعالى:
(ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً). [سورة النساء، الآية 64].
فاستغفار الرسول لهم هو جزء من عناية الله ولطفه فلا تعارض بين الأمرين والإراديتين بل أن شفاعة الرسول وطلب المغفرة لهم من الله عز وجل بالنتيجة فالشفاعة بيد الله كما قال سبحانه في آية أخرى:
(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى). [سورة الأنبياء، الآية 28].
(من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم..). [سورة البقرة، الآية 255].
إذن الشفاعة هي من الله العظيم. فهو مصدر العفو والمغفرة والتجاوز وهذه هي الشفاعة الصحيحة والمقبولة بينما الشفاعة الباطلة هي التي تنصب إرادةً ما فوق إرادة الله وأي فرق بين هذا التصور ووضع شريك الله - سبحانه - فقد قال في القرآن الكريم:
(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). [سورة النساء، الآية 116].
فالشفاعة المشروعة قد جعلها الله وسيلة للوصول إلى رضاه ومغفرته حيث قال في محكم الكتاب العزيز:
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة). [سورة المائدة، الآية 35].
فالوسائل الموصلة إلى رضوان الله تعالى من أبرزها الشفاعة المشروعة من قبل أولياء الله للمذنبين والعاصين فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً)(23).
فالحسين وسيلة شرعية بحبه يتحقق حب الله والذي يحب الله يطيعه ولا يعصيه فالسير على منهجية الإمام الحسين يعني إطاعة الحسين وطاعة الحسين تعني إطاعة النبي وإطاعة النبي إطاعة الله:
(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). [سورة النساء، الآية 59].
وفي الرواية: (الراد عليهم كالراد علينا والراد علينا كالراد على النبي والراد على النبي كالراد على الله والراد على الله كحد الشرك به).
فإذن الشفاعة والصفح والتجاوز ضمن المقاييس الشرعية والوسائط المشروعة تصل نتيجتها إلى الله تعالى:
(قل لله الشفاعة جميعاً). [سورة الزمر، الآية 44].
(ما من شفيع إلا من بعد إذنه). [سورة يونس، الآية 3].
فالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) هو الشفيع الأول يوم القيامة لأنه وسيلة الله لعباده (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وهي ضمن المقاييس الشرعية فقد ورد - يدخل النار ولو كان سيداً قرشياً ويدخل الجنة ولو كان عبداً حبشياً -.
إذن الموازين المطلوبة ليست هي القرابة أو الأعمال السطحية وإنما بالقيم الإيمانية وضمن القنوات التي حددها سبحانه وتعالى تتم الشفاعة بإرادة الله من دون أي تأثّر أو تأثير فقد قال سبحانه في محكم الكتاب العزيز:
(الذي يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كلّ شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم). [سورة غافر(المؤمن)، الآية 7].
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة)(24).
من هنا نستخلص فكرة الشفاعة من القرآن الكريم حيث الشفاعة المشروعة عكس ما يتصور البعض أنه سينال الجنة دون صلاة وصيام والواجبات الأخرى بل بمجرد بعض المستحبات، وفي الروايات - من بكى وأبكى وتباكى غفرت ذنوبه ووجبت له الجنة، ولكن مع شرطها وشروطها. فالشفاعة حق يتحقق ضمن وسائل الله المشروعة فللمؤمن الذي يقول بيتاً من الشعر في مصاب الإمام الحسين يرزقه الله بيتاً في الجنة - من قال فينا بيتاً من الشعر رزقه الله بيتاً في الجنة - أما غير المؤمن فلا تشمله هذه الشفاعة، لأن المؤمن سلك المسلك الإلهي حيث وسيلة الله بينما غيره هو الذي نصب نفسه متوهماً في تجاوز إطاعة الله ورسوله والإتيان ببعض المستحبات لنيل الشفاعة والحال إن شفاعة النبي والأئمة هي كرامة ومنحة من الله سبحانه للنبي والقرآن فإنه شافع مشفع والأئمة الأطهار والمؤمنين الصالحين وهذه الكرامة هي من رحمة الله فلو شملت بعض العاصين فإنها تشملهم بعد استيفاء العدل الإلهي حقه من عصيانهم حيث تصفية الحساب في الدنيا أو في عالم البرزخ (القبر) أو سنوات من العذاب الأليم في الآخرة وهكذا. فإذن الشفاعة المشروعة هي عين اللطف الإلهي والعناية الإلهية والعدل الإلهي أيضا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkoraan.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 142
العمر : 51
تاريخ التسجيل : 06/06/2007

الشفاعة Empty
مُساهمةموضوع: الشفاعة عند الشيعة2   الشفاعة I_icon_minitimeالثلاثاء يونيو 26, 2007 2:27 am



الشفاعة في القيامة












العلامة الشيخ جعفر السبحاني للشفاعة أصل واحد يدل على مقارنة الشيئين من ذلك الشفع, خلاف الوتر, تقول كان فردا فشفعته والمراد من الشفاعة في مصطلح المتكلمين هو أن تصل رحمته سبحانه ومغفرته إلى عباده من طريق أوليائه وصفوة عباده, ووزان الشفاعة في كونها سببا لإفاضة رحمته تعالى على العباد وزان الدعاء في ذلك, يقول سبحانه: (ولو أنهم إذ ظلموا انفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما)(النساء: 64).
وتتضح هذه الحقيقة إذا وقفنا على أن الدعاء بقول مطلق, وبخاصة دعاء الصالحين, من المؤثرات الواقعة في سلسلة نظام الأسباب والمسببات الكونية, وعلى هذا ترجع الشفاعة المصطلحة إلى الشفاعة التكوينية بمعنى تأثير دعاء النبي (صلى الله عليه وآله) في جلب المغفرة الإلهية إلى العباد.
الشفاعة في الكتاب والسنة
قد ورد ذكر الشفاعة في الكتاب الحكيم في سور مختلفة لمناسبات شتى كما وقعت مورد اهتمام بليغ في الحديث النبوي وأحاديث العترة الطاهرة, والآيات القرآنية في هذا المجال على أصناف:
الصنف الأول: ما ينفي الشفاعة في بادئ الأمر, كقوله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون)(البقرة: 254).
الصنف الثاني: ما ينفي شمول الشفاعة للكفار, يقول سبحانه - حاكيا عن الكفار -: (وكنا نكذب بيوم الدين* حتى أتانا اليقين* فما تنفعهم شفاعة الشافعين)(المدثر: 46-48).
الصنف الثالث: ما ينفي صلاحية الأصنام للشفاعة, يقول سبحانه: (وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون)(الأنعام: 94).
الصنف الرابع: ما ينفي الشفاعة عن غيره تعالى, يقول سبحانه: (وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون)(الأنعام: 51).
الصنف الخامس: ما يثبت الشفاعة لغيره تعالى بإذنه, يقول سبحانه: (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا)(طه: 109).
الصنف السادس: ما يبين من تناله شفاعة الشافعين, يقول سبحانه: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون)(الأنبياء: 28).
ويقول أيضا:
(وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى)( النجم: 26).
هذه نظرة إجمالية إلى آيات الشفاعة, وأما السنة فمن لاحظ الصحاح والمسانيد والجوامع الحديثية يقف على مجموعة كبيرة من الأحاديث الواردة في الشفاعة توجب الإذعان بأنها من الأصول المسلمة في الشريعة الإسلامية, وإليك نماذج منها:
1- قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (لكل نبي دعوة مستجابة, فتعجل كل نبي دعوته, واني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي, وهي نائلة من مات منهم لا يشرك بالله شيئا)(صحيح البخاري: 8/ 33و9/ 170, صحيح مسلم: 1/ 170).
2- وقال (صلى الله عليه وآله): (أعطيت خمسا وأعطيت الشفاعة, فادخرتها لأمتي, فهي لمن لا يشرك بالله)(صحيح البخاري: 1/ 42 و119, مسند أحمد: 1/ 301).
3- وقال (صلى الله عليه وآله): (إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)(من لا يحضره الفقيه: 3/ 376).
4- وقال الإمام علي (عليه السلام): (ثلاثة يشفعون إلى الله عز وجل فيشفعون: الأنبياء, ثم العلماء, ثم الشهداء)(الخصال, للصدوق: باب الثلاثة, الحديث169).
5- وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام): (اللهم صل على محمد وآل محمد, وشرف بنيانه, وعظم برهانه, وثقل ميزانه, وتقبل شفاعته)(الصحيفة السجادية, الدعاء: 42. ومن أراد التبسط فليرجع إلى (مفاهيم القرآن): 4/ 287- 311).
الشفاعة المطلقة والمحدودة
تتصور الشفاعة بوجهين:
1- المطلقة: بأن يستفيد العاصي من الشفاعة يوم القيامة وإن فعل ما فعل, وهذا مرفوض في منطق العقل والوحي.
2- المحدودة: وهي التي تكون مشروطة بأمور في المشفوع له, ومجمل تلك الشروط أن لا يقطع الإنسان جميع علاقاته العبودية مع الله ووشائجه الروحية مع الشافعين, وهذا هو الذي مقبول عند العقل والوحي.
وبذلك يتضح الجواب عما يعترض على الشفاعة من كونها توجب الجرأة وتحيي روح التمرد في العصاة والمجرمين, فان ذلك من لوازم الشفاعة المطلقة المرفوضة, لا المحدودة المقبولة.
والغرض من تشريع الشفاعة هو الغرض من تشريع التوبة التي اتفقت الأمة على صحتها, وهو منع المذنبين عن القنوط من رحمة الله وبعثهم نحو الابتهال والتضرع إلى الله رجاء شمول رحمته إليهم, فإن المجرم لو اعتقد بأن عصيانه لا يغفر قط, فلا شك أنه يتمادى في اقتراف السيئات باعتقاد أن ترك العصيان لا ينفعه في شيء, وهذا بخلاف ما إذا أيقن بأن رجوعه عن المعصية يغير مصيره في الآخرة, فإنه يبعثه إلى ترك العصيان والرجوع إلى الطاعة.
وكذلك الحال في الشفاعة, فإذا اعتقد العاصي بأن أولياء الله قد يشفعون في حقه إذا لم يهتك الستر ولم يبلغ إلى الحد الذي يحرم من الشفاعة, فعند ذلك ربما يحاول تطبيق حياته على شرائط الشفاعة حتى لا يحرمها.
شرائط شمول الشفاعة
قد تعرفت على أن الشفاعة المشروعة هي الشفاعة المحدودة بشروط, وقد عرفت مجمل تلك الشروط, وينبغي لنا أن نذكر بعض تلك الشروط تفصيلا على ما ورد في الروايات:
1- منها عدم الإشرال بالله تعالى: وقد تقدم ذلك فيما نقلناه من أحاديث الشفاعة.
2- الإخلاص في الشهادة بالتوحيد: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا, يصدق قلبه لسانه, ولسانه قلبه)(صحيح البخاري: 1/ 36, مسند أحمد: 2/ 307 و518).
3- عدم كونه ناصبيا: قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن المؤمن ليشفع لحميمه إلا أن يكون ناصبا, ولو أن ناصبا شفع له كل نبي مرسل وملك مقرب ما شفعوا)(ثواب الأعمال للصدوق: 251).
4- عدم الاستخفاف بالصلاة: قال الإمام الكاظم (عليه السلام): (إنه لا ينال شفاعتنا من استخف بالصلاة)(الكافي: 3/ 270, 6/ 401).
5- عدم التكذيب بشفاعة النبي (صلى الله عليه وآله): قال الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): (قال أمير المؤمنين (عليه السلام)): (من كذب بشفاعة رسول الله لم تنله)(عيون أخبار الرضا: 2/ 66).
ما هو أثر الشفاعة؟
إن الشفاعة عند الأمم, مرفوضها ومقبولها يراد منها حط الذنوب ورفع العقاب, وهي كذلك عند الإسلام كما يوضحه قوله (صلى الله عليه وآله): (ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)(سنن أبي داود: 2/ 537, صحيح الترمذي: 4/ 45).
ولكن المعتزلة ذهبت إلى أن أثرها ينحصر في رفع الدرجة وزيادة الثواب, فهي تختص بأهل الطاعة, وما هذا التأويل في آيات الشفاعة إلا لأجل موقف مسبق لهم في مرتكب الكبيرة, حيث حكموا بخلوده في النار إذا مات بلا توبة, فلما رأوا أن القول بالشفاعة التي أثرها هو إسقاط العقاب, ينافي ذلك المبنى, أولوا آيات الله فقالوا إن أثر الشفاعة إنما هو زيادة الثواب وخالفوا في ذلك جميع المسملين.
قال الشيخ المفيد: (اتفقت الإمامية على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يشفع يوم القيامة لجماعة من مرتكبي الكبائر من أمته, وأن أمير المؤمنين (عليه السلام) يشفع في أصحاب الذنوب من شيعته, وأن أئمة آل محمد (صلى الله عليه وآله) يشفعون كذلك وينجي الله بشفاعتهم كثيرا من الخاطئين, ووافقهم على شفاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) المرجئة سوى ابن شبيب, وجماعة من أصحاب الحديث, وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك وزعمت أن شفاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) للمطيعين دون العاصين وأنه لا يشفع في مستحق العقاب من الخلق أجمعين)(أوائل المقالات: 54, الطبعة الثانية).
وقال أبو حفص النسفي: (والشفاعة ثابتة للرسل والأخيار في حق اهل الكبائر بالمستفيض من الأخبار)(شرح العقائد النسفية: 147. ولاحظ أنوار التنزيل للبيضاوي: 1/ 152, ومفاتيح الغيب للرازي: 3/ 56, ومجموعة الرسائل الكبرى, لابن تيمية: 1/ 403, وتفسير ابن كثير: 1/ 309).
هل يجوز طلب الشفاعة؟
ذهب ابن تيمية, وتبعه محمد بن عبد الوهاب - مخالفين الأمة الإسلامية جمعاء - إلى أنه لا يجوز طلب الشفاعة من الأولياء في هذه النشأة ولا يجوز للمؤمن أن يقول: (يا رسول الله اشفع لي يوم القيامة).
وأنما يجوز له أن يقول: (اللهم شفع نبينا محمدا فينا يوم القيامة).
واستدلا على ذلك بوجوه تالية:
1- أنه من أقسام الشرك, أي الشرك بالعبادة, والقائل بهذا الكلام يعبد الولي (الهدية السنية: 42).
والجواب عنه ظاهر, بما قدمناه في حقيقة الشرك في العبادة, وهي أن يكون الخضوع والتذلل لغيره تعالى باعتقاد أنه إله أو رب, أو أنه مفوض إليه فعل الخالق وتدبيره وشؤونه, لا مطلق الخضوع والتذلل.
2- أن طلب الشفاعة من النبي يشبه عمل عبدة الأصنام في طلبهم الشفاعة من آلهتهم الكاذبة, يقول سبحانه: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله)(يونس: 18).
وعلى ذلك فالاستشفاع من غيره سبحانه عبادة لهذا الغير(كشف الشبهات لمحمد بن عبد الوهاب: 6).
ويرده أن المعيار في القضاء ليس هو التشابه الصوري بل المعيار هو البواطن والعزائم, وإلا لوجب أن يكون السعي بين الصفا والمروة والطواف حول البيت شركا, لقيام المشركين به في الجاهلية, وهؤلاء المشركون كانوا يطلبون الشفاعة من الأوثان باعتقاد أنها آلهة أو أشياء فوض إليها افعال الله سبحانه من المغفرة والشفاعة.
وأين هذا ممن طلب الشفاعة من الأنبياء والأولياء بما أنهم عباد الله الصالحون, فعطف هذا على ذلك جور في القضاء وعناد في الاستدلال.
3- ان طلب الشفاعة من الغير دعاء له ودعاء غيره سبحانه حرام, يقول سبحانه: (فلا تدعوا مع الله أحدا)(الجن: 18).
ويرده أن مطلق دعاء الغير ليس محرما وهو واضح, وإنما الحرام منه ما يكون عبادة له بأن يعتقد الألوهية والربوبية في المدعو, والآية ناظرة إلى هذا القسم بقرينة قوله: (مع الله) أي بأن يكون دعاء الغير على وزان دعائه تعالى وفي مرتبته, ويدل عليه قوله سبحانه - حاكيا قولهم يوم القيامة-: (تالله إن كنا لفي ضلال مبين* إذ نسويكم برب العالمين)(الشعراء: 97- 98).
4- إن طلب الشفاعة من الميت أمر باطل.
ويرده ان الإشكال ناجم من عدم التعرف على مقام الأولياء في كتاب الله الحكيم, والقرآن يصرح بحياة جموع كثيرة من الشهداء, وغيرهم, ولو لم يكن للنبي (صلى الله عليه وآله) حياة فما معنى التسليم عليه في كل صباح ومساء وفي كل صلاة: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)؟!
والمؤمنون لا يطلبون الشفاعة من أجساد الصالحين وأبدانهم, بل يطلبونها من أرواحهم المقدسة الحية عند الله سبحانه, بأبدان برزخية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkoraan.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 142
العمر : 51
تاريخ التسجيل : 06/06/2007

الشفاعة Empty
مُساهمةموضوع: الشفاعة عند الشيعة3   الشفاعة I_icon_minitimeالثلاثاء يونيو 26, 2007 2:31 am



الشفاعة عند مذهب أهل البيت عليهم السلام


وردت مادة (شفع) في ثلاثين موضعاً من القرآن الكريم، وإذا ما تدبرنا هذه الثلاثين موضعاً أمكننا الخروج برؤية واضحة عن مفهوم الشفاعة في القرآن الكريم، والشفاعة تعني في الاستعمالات العرفية تدخل شخص لدى شخص آخر بهدف تحصيل مسامحة منه في حق أو حكم ثابت في عاتق شخص ثالث. وهذا هو المعنى الذي استعمله القرآن الكريم فرفضه تارة وآمن به تارة أخرى. ولذا فالشفاعة في القرآن الكريم على قسمين:

1 ـ شفاعة باطلة لأنها تتضمن معنى الشرك، من قبيل قول المشركين عن الأصنام: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله)(1).
وبطلان هذه الشفاعة أوضح من أن يحتاج إلى بيان، فهؤلاء هم الذين عينوا الشفعاء لأنفسهم من جهة، واعتقدوا فيهم تدبيراً وتأثيراً على الله سبحانه وتعالى من جهة ثانية، وكلتا الجهتين باطلتان، فإن الشفاعة تقتضي بطبعها أن يكون الشفيع مقبولاً لدى المشفّع، فكيف تكون الأصنام شفيعاً عند الله؟
ثم إن الشفيع ليس له قدرة مستقلة عن الله سبحانه، وبالتالي لا يمكن افتراض أن يكون مؤثراً فيه، ولذا فهذه ليست شفاعة أصلاً وإنما ركام من الخيالات والأوهام. وفي ردّها، قال القرآن الكريم: (واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون)(2)، وأوضح من ذلك قوله تعالى: (ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع)(3)، وقوله تعالى: (قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض)(4) فكلام المشركين عن الشفاعة والشفعاء بلا أساس ولا مستند، لأن الشفاعة رحمة يفيضها الله على عباده عبر وسائط يختارها ويعينها بنفسه، والرحمة لا تدرك المشركين، والشفعاء وسائط يعينهم الله ولا يختارهم المشركون، والشفيع واسطة في انتقال الرحمة وليس سبباً فيها، ولأجل هذه الخصائص بطلت الشفاعة الشركية.

2 ـ شفاعة شرعية صحيحة، وهي ما كانت بإذن الله، ومن قبل أفراد رضي الله عنهم وعيّنهم للشفاعة، ولصالح أفراد رضي الله في الشفاعة لهم، فهنا ثلاثة شروط. ورد الشرط الأول في عدة آيات، منها: قوله تعالى: (مَنْ ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه)(5).
وهذه الآية بنفسها دالة على الشرط الثاني لأن الإذن إذا صدر من الله سبحانه يكون إذناً في الشفاعة وفي الشفيع، بما يعني رضا الله سبحانه وتعالى عن الشفيع. أما الشرط الثالث فقد ورد فيه قوله تعالى: (لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى)(6).
وحيث إن القسم الأول من الشفاعة يفتقد إلى هذه الشروط لذا سيجد المشركون أنفسهم في يوم القيامة بلا شفعاء، وسيدركون بطلان الشفاعة التي اعتقدوها، وسيقولون بألسنتهم (فمالنا من شافعين)(7).
ونحن إذا تأملنا في القرآن الكريم لاحظنا اتجاهاً عاماً وأُسلوباً شائعاً في التعبير عن مظاهر القدرة والكمال، يتمثل بالنفي ثم الإثبات ثم الإفاضة.
فنجد آيات تنفي هذه المظاهر عن غير الله، وأُخرى تثبتها لله سبحانه، وقسم آخر يشير إلى إفاضة الله بعض هذه القابليات على بعض مخلوقاته، وهذا الأُسلوب بمراحله الثلاثة استعمله القرآن الكريم في مجالات الرزق والخلق والحكم والملك والتوفي. وهو جار في موضوع الشفاعة أيضاً، فان الآيات النافية للشفاعة عن غير الله سبحانه غرضها حصر الكمال والقدرة بالله ونفيها عمن سواه، والآيات المثبتة للشفاعة غرضها بيان أن الذات الإلهية تتصف بهذا المظهر من مظاهر القدرة والرحمة اتصافاً ذاتياً، والآيات التي تثبت الشفاعة لغير الله سبحانه غرضها التأكيد على قدرته ببيان أن هذه القدرة في أعلى مراحلها، بحيث إن الله سبحانه وتعالى قد يتولى الشفاعة بنفسه وقد يحولها إلى من يرتضيه من عباده وأوليائه، أي يتصرف فيها وينقلها من نفسه إلى أحد أفراد خلقه، ولعلّ من جملة أغراض هذا الأُسلوب القرآني تربية العبد على التعلق بالقدرة الإلهية والرحمة الربّانية المطلقة، وعدم الاعتداد بالعمل الصالح وحده، لأن العمل إنما ينجي في محكمة العدل إذا كان بالنحو المقتضي للنجاة، وهل هناك من يستطيع الادعاء بأنه مستغن بعمله عن رحمة الله سبحانه؟ بل يوغل القرآن الكريم في هذا الاتجاه أكثر حينما يشعرنا بأن الأُمور لا تخرج عن يده وسلطانه وقدرته سبحانه وتعالى حتى عندما يقضي بقضاء حتمي لا تغيير له، كقوله تعالى: (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق* خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد* وأما الذين سُعدوا ففي الجنّة خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ)(Cool. فمع أنه تعالى قد حكم بالخلود في النار على الأشقياء، وبالخلود في الجنّة على السُعداء، وجعل هذا الخلود بمنزلة خلود السموات والأرض، ولكنه مع ذلك علّقه على مشيئته، إشعاراً منه بأن الأُمور لا تخرج من يديه وقبضته حتى تلك التي يُصدر فيها أحكاماً حتمية، فإذا كانت أحكامه تعالى الحتمية لا تسلب عنه القدرة على شيء، ولا تضطرّه إلى شيء، ولا توجب عليه شيئاً، فهل تكون أعمالنا أسباباً تسلب عنه القدرة وتوجب لنا عليه النجاة وتضطرّه إلى شيء؟!
وإذا كان الله سبحانه وتعالى يؤكد لنا على قدرته المطلقة حتى في مثل تلك الموارد، لبلغت أنظارنا إلى هذه القدرة التي لا يحدّها شيء ولا يقيدها شيء حتى قضاء الله وأحكامه نفسه، فمن المناسب جداً أن يشير إلى أنّ عمل الإنسان مهما كان صالحاً لا يغنيه عن رحمة الباري تعالى ولا يحدّ من قدرته، وإذا كانت مشيئة الله شرطاً في خلود من حكم الله نفسه بخلوده في الجنة أو في النار، فمن الأولى أن تكون شرطاً فيمن لم يصدر بحقه بعد الحكم الإلهي.
وليست الشفاعة إلا مظهراً لإرادة الله ومشيئته ورحمته المطلقة، وهي لا تكون جزافاً بل على أساس ضابطة معينة، فالذي يريد بلوغ مقام علمي رفيع لابد وأن يكون قد أحرز بعض مقدماته، وبلغ درجة قريبة منه، فتكون الشفاعة هنا ذات معنى معقول، وهو المساعدة على بلوغ الهدف. ولا يكون لها معنى إذا طلبها الأُمي الذي لم يسعَ لأي من المقدمات ورغب في بلوغ ذلك المقام عن طريق الشفاعة. وكذلك لا تتم الشفاعة لمن لا رابطة له تربطه بالمشفوع عنده أصلاً، كالجاحد الطاغي على سيده، فإنه لا ينال رضى سيده بالشفاعة، فالشفاعة متممة للسبب وليست موجدة له.
كما أن تأثير الشفيع عند المولى لا يكون جزافاً، فلا يحق له أن يطلب من المولى إبطال قوانين الجزاء والعقاب، ولا إبطال مولويته بحق عبيده، ولا يطلب منه رفع اليد عن أحكامه وتكاليفه، بل لابد للشفيع من أن يسلّم للمولى بمولويته على عبيده، وبقوانينه وأحكامه بحقهم، وبما يجريه من الجزاء عقاباً أو ثواباً لهم.
وإنما يتمسك الشفيع بصفات في المولى توجب العفو والصفح، وبصفات في العبد تستدعي الرأفة والرحمة، كحسن سابقته، وسوء حاله، واعتذاره. أي أن دور الشفيع ليس إخراج العبد من مولوية المولى ودائرة أحكامه وجزاءاته، وإنما يتمثل دوره في السعي لنقل العبد من حكم مولوي إلى حكم مولوي آخر.

من هو الشفيع؟
اتّضح مما سبق أن الشفاعة من جملة خصائص المولوية، فمن اتصف بالمولوية استطاع في دائرة نفوذ مولويته أن يمنح الشفاعة لمن يشاء لتكون مظهراً لرحمة المولى وقدرته في وقت واحد، وحيث إن مولوية الله سبحانه هي المولوية الحقيقية الوحيدة في الوجود، وما عداها مولويات اعتبارية، لذا كانت الشفاعة من جملة الحقائق المختصة به، قال تعالى: (قل لله الشفاعة جميعاً)(9) وما عداها إما شفاعة كاذبة، كقول المشركين: (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله)(10). أو شفاعة قد أذن الله بها فهي مأخوذة منه، عائدة إليه، كقوله تعالى: (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا)(11).
وقد صرّح القرآن الكريم بأن الشفاعة المأذون بها تعطى لأصناف منهم:

1 ـ الملائكة: قال تعالى: (وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى)(12).

2 ـ الشهداء بالحق: قال تعالى: (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون)(13).
والشهداء بالحق هم طائفة من المؤمنين لابد وأن يكونوا أقلّ منزلة من الأنبياء، وأعلى درجة من سائر أفراد الأُمة، ولاشك أنّ أهل البيت (عليهم السلام) يأتون في طليعة هؤلاء بوصفهم أبرز مصداق لمن شهد بالحق وعمل به وجاهد من أجله، فضلاً عن كونهم ممّن نصّ القرآن الكريم على عصمتهم(14).
وإذا طالعنا الأحاديث النبوية الشريفة وجدنا فيها تفسير ذلك:
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (يشفع يوم القيامة الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء)(15).
وقال(صلى الله عليه وآله): (الشفعاء خمسة: القرآن، والرحم، والأمانة، ونبيّكم وأهل بيته(عليهم السلام))(16).
وقد ذكر الشيخ محمّد بن عبد الوهاب نفسه في كتاب (كشف الشبهات): (أن الشفاعة أُعطيها غير النبي (صلى الله عليه وآله) فصح أن الملائكة يشفعون، والأفراط(17) يشفعون، والأولياء يشفعون)(18) استناداً إلى أحاديث أوردها البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه أيضاً، وأحمد في مسنده بهذا المعنى كما يلي:

(... فاقرأُوا إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنةً يضاعفها فيشفع النبيّون والملائكة والمؤمنون...)(19).
عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: (قد أعطى كل نبيّ عطية، فكل قد تعجلها، وإني أخّرت عطيتي شفاعة لأُمّتي، وإن الرجل من أُمّتي ليشفع لفئام من الناس فيدخلون الجنة، وإن الرجل ليشفع لقبيلة، وإن الرجل ليشفع للعصبة، وإن الرجل ليشفع للثلاثة، وللرجلين، وللرجل)(20).
وكان أبو سعيد الخدري يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرأُوا إن شئتم: (إنّ الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً)، فيقول الله عزّ وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون...)(21).

المشفوع لهم:
وقع البحث بين علماء المسلمين فيمن تكون له الشفاعة، فقالت المعتزلة: إن شفاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) تكون للمطيعين، لأجل زيادة الثواب وعلوّ الدرجة لهم، ولا يمكن أن تكون للعاصين، للآيات الدالة على ارتهان الإنسان بعمله، ولأن الشفاعة لا تمحو الذنوب. وجاء عن أبي الحسن الخياط ـ أحد أعلام المعتزلة ـ أنه كان يحتجّ على القائلين بالشفاعة بقوله تعالى: ( أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ مَن في النار)(22).
وردّ عليه الشيخ المفيد: بأن القائلين بالشفاعة لا يدّعون أن الرسول هو الذي ينقذ المستحقين للنار منها، وإنما يدّعون أن الله هو الذي ينقذهم إكراماً لنبيه والطيبين من أهل بيته(عليهم السلام)(23).
ورأي جمهور المسلمين أن الشفاعة لأهل المعصية من المسلمين، دون الكفار والمشركين لقوله (صلى الله عليه وآله): (ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي)(24).
وقد استدلّ العلاّمة الطباطبائي على هذا الرأي بالقرآن الكريم، حيث قال تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة* إلا أصحاب اليمين* في جنات يتساءلون* عن المجرمين* ما سلككم في سقر* قالوا لم نك من المصلين* ولم نك نطعم المسكين* وكنا نخوض مع الخائضين* وكنا نكذب بيوم الدين* حتى أتانا اليقين* فما تنفعهم شفاعة الشافعين)(25) حيث ميّزت هذه الآيات بين أصحاب اليمين وبين المجرمين، وذكرت صفات جرّت المجرمين إلى النار وأدّت إلى انتفاء الشفاعة عنهم.
ومقتضى هذا البيان، ومن خلال سياق المقابلة والمقارنة والمقايسة، أن أصحاب اليمين الذين لم يتصفوا بتلك الصفات قد فازوا بشفاعة الشافعين، وكأن مصير المجرمين كان لأجل سببين، أحدهما: ارتكاب مخالفات أساسية في مقياس الدين، ثانيهما: انتفاء الشفاعة بحق من يرتكب مثل هذه المخالفات.
ومن خلال سياق المقابلة نفهم أن مصير أصحاب اليمين ناتج عن انتفاء هذين السببين، فلم يرتكبوا مخالفات أساسية من جهة، بالنحو الذي جعلهم مشمولين بالشفاعة من جهة ثانية، وإن أمكن حصول مخالفات غير أساسية منهم، وحينئذ يكون معنى الشفاعة مطابقاً لقوله تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيئاتكم)(26).
فان السيئات مع الاستمرار تتحول إلى كبائر، وبذلك اتّضح: أن الشفاعة لأهل الكبائر من أصحاب اليمين. وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): (إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي أما المحسنون فما عليهم من سبيل)(27).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkoraan.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 142
العمر : 51
تاريخ التسجيل : 06/06/2007

الشفاعة Empty
مُساهمةموضوع: الشفاعة عند الشيعة3   الشفاعة I_icon_minitimeالثلاثاء يونيو 26, 2007 2:32 am

وقد استدلّ العلاّمة الطباطبائي على هذا الرأي بالقرآن الكريم، حيث قال تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة* إلا أصحاب اليمين* في جنات يتساءلون* عن المجرمين* ما سلككم في سقر* قالوا لم نك من المصلين* ولم نك نطعم المسكين* وكنا نخوض مع الخائضين* وكنا نكذب بيوم الدين* حتى أتانا اليقين* فما تنفعهم شفاعة الشافعين)(25) حيث ميّزت هذه الآيات بين أصحاب اليمين وبين المجرمين، وذكرت صفات جرّت المجرمين إلى النار وأدّت إلى انتفاء الشفاعة عنهم.
ومقتضى هذا البيان، ومن خلال سياق المقابلة والمقارنة والمقايسة، أن أصحاب اليمين الذين لم يتصفوا بتلك الصفات قد فازوا بشفاعة الشافعين، وكأن مصير المجرمين كان لأجل سببين، أحدهما: ارتكاب مخالفات أساسية في مقياس الدين، ثانيهما: انتفاء الشفاعة بحق من يرتكب مثل هذه المخالفات.
ومن خلال سياق المقابلة نفهم أن مصير أصحاب اليمين ناتج عن انتفاء هذين السببين، فلم يرتكبوا مخالفات أساسية من جهة، بالنحو الذي جعلهم مشمولين بالشفاعة من جهة ثانية، وإن أمكن حصول مخالفات غير أساسية منهم، وحينئذ يكون معنى الشفاعة مطابقاً لقوله تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيئاتكم)(26).
فان السيئات مع الاستمرار تتحول إلى كبائر، وبذلك اتّضح: أن الشفاعة لأهل الكبائر من أصحاب اليمين. وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): (إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي أما المحسنون فما عليهم من سبيل)(27).
وبالتطبيق بين هذا الموضع وبين قوله تعالى: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى)(28) يعتقد (قدس سره)أن أصحاب اليمين هم الذين ارتضى الله سبحانه الشفاعة لهم، وأن الارتضاء المذكور في الآية ليس ارتضاءً للعمل، لأن بعض أعمال المشفوع لهم سيئة غير مقبولة، فلابد أن يكون معنى الارتضاء هو ارتضاء الدين، بمعنى كون دين المشفوع لهم مستوفياً للشروط الأساسية المطلوبة.

شبهات وردود:
وفي ضوء ما سبق نستطيع أن نجيب على عدّة شبهات أُثيرت حول الشفاعة هي:

أولاً: إن الشفاعة تعني خضوع الله سبحانه لتأثير مخلوق من مخلوقاته.

والجواب: إن المغفرة الإلهية لها عدّة أسباب، منها: الدعاء، والتوبة، والشفاعة.. وكما أن قبول الدعاء والتوبة وتحقق المغفرة بهما، لا يعني خضوع الخالق للمخلوق، وإنما يعني إفاضة الرحمة الإلهية على العبد بعد تحقق شرطها وبنحو قرّره الله سبحانه نفسه، ولم يفرضه أحد عليه، كذلك الشفاعة سبب علّق عليه الخالق سبحانه إفاضة الرحمة على عباده، وهذا التعليق جاء لغرض تربوي يتمثل بتوثيق صلة الناس بالأنبياء والأولياء وتوكيد موقعهم كقدوة وقطب وقائد للمجتمع البشري.
وما دام أن الله سبحانه هو الذي فتح باب الشفاعة وهو الذي عيّن الشفعاء وحدّد خصائص ونوعية المشفوع لهم فلا يبقى أي أساس لهذا الإشكال.

ثانياً: إن اللازم من الشفاعة أن يكون الشفيع أكثر رحمة وشفقة من الله سبحانه وتعالى.

الجواب: قد اتضح مما تقدم أن الله هو الذي جعل الشفاعة وأذن بها لمن شاء. فالشفاعة ليست مبادرة يقوم بها الشفيع بنحو مستقل عن الإرادة الإلهية ، وإنّما هي باب فتحه الله وحدد شروطه وأشخاصه ليفيض رحمته على عباده عبر الشفعاء، فشفقة الشفعاء شعاع مستعار من تلك الشمس.

ثالثاً: إن الشفاعة تعني وجود حكمين مختلفين للعبد:
حكم قبل الشفاعة، وهو العقوبة بالعذاب، وحكم بعد الشفاعة، وهو النجاة والفوز بالنعيم. فإن كان الأول هو الموافق للعدل والحكمة كانت الشفاعة أمراً مخالفاً للعدل، وإن كان الثاني هو الموافق للعدل والحكمة كان الأول ظلماً.

الجواب: إن لهذه الحالة نظائر، ومن نظائرها نزول البلاء على العبد قبل الدعاء أو قبل إعطاء الصدقة أو قبل صلة الرحم، وارتفاع البلاء عنه بعد تحقق الدعاء أو الصدقة أو صلة الرحم منه. والحكمة قائمة في نزول البلاء وفي ارتفاعه بتلك الأسباب معاً، والأمر كذلك في الشفاعة.
بمعنى أن الذنب الصادر من المؤمن لا يشكّل علّة تامة لوقوع العقاب، بحيث لا يمكن أن ينفك العقاب عنه، وإنّما يشكل مقتضياً للعقاب، فإذا حصل ما يمنع وقوعه لم يقع، وقد وضع الله تعالى مواضع لوقوع العقاب ، كالتوبة، والشفاعة، والأعمال التي تكفّر الذنوب، فإذا حصل شيء من هذا القبيل امتنع تحقق أثر الذنب.
ويمكن أن يقال: بأن الحكم بالعقوبة قبل الشفاعة موافق لعدل الله ولعمل العبد واستحقاقه، والحكم بالنجاة بعد الشفاعة موافق لرحمة الله وشفقته ورأفته.

رابعاً: إن الوعد بالشفاعة موجب لجرأة الناس على المعاصي.

وجوابه: إن الأمر إذا كان كذلك فلابد من غلق باب التوبة ورجاء الرحمة الإلهية، فإن حكمة الله شاءت أن يفتح أبواب الأمل بوجه العاصين من عباده، لكي تبقى لهم بقية ارتباط معه ولا يقعون ضحية اليأس والقنوط الذي يؤدي بهم إلى المزيد من التردي والانحطاط.
وسوف لا يكون في الشفاعة ـ كما في المغفرة وقبول التوبة ـ إغراءٌ بالذنوب والمعاصي بحال من الأحوال، وإنّما هي منافذ للرجاء والأمل، وذلك لأمرين:

أحدهما: أن الوعد بالشفاعة لم يعيّن أشخاص المذنبين الذين ستُقبل فيهم الشفاعة، فما زال العباد إذاً يرجون أن ينالوها، وليس أكثر ، ومن هنا دخلت في الدعاء على هذا النحو، كما في دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام): (وشفِّع فيَّ محمداً وآل محمد، واستجب دعائي...)(29).

والثاني: أن المولى تعالى لم يحدد أنواع الذنوب التي تقبل فيها الشفاعة، ولم يصرح بمستوى تأثير الشفاعة ، فهل أنها ستزيل كل ألوان العقاب أصلاً، أم لا ؟ من هنا فالأمر لم يخرج عن دائرة الرجاء إلى دائرة الإغراء.

خامساً: إن الشفاعة الجائزة هي أن يدعو المؤمن قائلاً: (اللهم شفّع نبيّنا محمداً فينا يوم القيامة)، ولا يجوز له أن يقول: يا رسول الله اشفع لي يوم القيامة. لأنه من الشرك في العبادة الذي يشبه عمل عبدة الأصنام الذين كانوا يقولون: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله)(30) وأن الله يقول: (لا تدعوا مع الله أحداً)، وبالتالي فالشفاعة بالصيغة الثانية تكون من قبيل طلب الشفاعة من غير مالكها، وأن طلب الشفاعة من الميت أمر باطل.

وجوابه: إن الشرك في العبادة يقوم على ركنين هما:

1 ـ اعتقاد التدبير والخلق فيمن يُتخذ إلهاً، أو الاعتقاد بأن أُمور الخلق والتكوين قد فوّضت إليه.

2 ـ إبداء الخضوع والتسليم للذات المتخذة إلهاً كتعبير عن العبادة لها. وطلب الشفاعة من الرسول (صلى الله عليه وآله) والأولياء يفتقد هذين الركنين، فليس هناك اعتقاد بقدرة ذاتية في الرسول (صلى الله عليه وآله)على التدبير والخلق، وليس هناك اعتقاد بأن الأُمور قد فوّضت إليه، وليس هناك خضوع وتسليم له بما هو شخص وإنسان، وكل ما هناك أن للرسول (صلى الله عليه وآله) عند الله مكانة ومنزلة رفيعة بحيث جعل له أن يشفع لاُمته.
والآية الواردة في الإشكال بدايتها هكذا: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله)، فالشفاعة الشركية الباطلة جاءت مقرونة بعبادة الأصنام، متفرعة عليها، ومن هنا جاء بطلانها، وليس الأمر في طلب الشفاعة من الرسول مقروناً بعبادته حتى يكون باطلاً.
ثم إن المعيار في الحكم بالصحة والبطلان ليس هو المشابهة الصورية بين فرض وفرض آخر، ولو كان الأمر كذلك لكان السعي والطواف ونحوهما من جملة مظاهر الشرك، لأن المشركين كانوا يقومون بهما.
وأما قوله تعالى: (لا تدعو مع الله إلهاً آخر) فالجواب فيه نفس ما مضى، وهو أن الآية ناظرة إلى ما كان من الدعاء بنحو العبادة، وإذا كان الداعي يخاطب رباً وإلهاً، فجاءت الآية لتنهى عن عبادة غير الله سبحانه وتعالى في باب الدعاء، وليست ناظرة إلى كل طلب من كل مطلوب، ولو كانت بهذا المعنى لكانت ناهية عن شيء هو قوام الحياة الاجتماعية بحيث لا يمكن افتراض قيام الحياة الاجتماعية بدونه وهو التعاون، وهل يعقل أن ينهى الشرع عن طلب يتقدم به المسلم لدى مسلم آخر ويريد منه إنجازه؟ وهل يسمى هذا النوع من السلوك دعاءً لغير الله؟
قد يقال: إن الشفاعة ليست من هذا النوع، وإن وجه الإشكال فيها أنها طلب شيء من خصوصيات الإله والمعبود، وأن الآية ليست ناهية عن كل طلب، وإنما هي ناهية عن طلب ما كان من خصوصيات الأُلوهية، وأن هذا النوع من الطلب من مصاديق دعوة غير الله سبحانه.

والجواب: إن طلب الشفاعة من الرسول (صلى الله عليه وآله) لا يراد به اظفاء خصوصية الأُلوهية عليه (صلى الله عليه وآله) حتى يكون من قبيل دعوة غير الله سبحانه، بل لمّا ثبت أن الله سبحانه وتعالى قد أذِن للرسول (صلى الله عليه وآله) بالشفاعة جاز لنا أن نطلب ذلك منه، كما نطلب حاجتنا من كل قادر عليها، وهو طلب يؤكد التوحيد وليس فيه شائبة من الشرك، لأنه ينتهي إلى إذن الله سبحانه. وإنما أبطل الله الشفاعة الشركية بقوله تعالى: (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) لأن هذه الشفاعة لا تنتهي إلى إذن الله سبحانه، فإن الله لم يأذن في شفاعة هؤلاء، ولم يجز للإنسان أن يختار شفعاءه بنفسه، وإنما أجاز له أن يطلب الشفاعة ممن هو مأذون من قبله تعالى في ذلك، وشفاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) من هذا القبيل.

وأما قولهم: (إن طلب الشفاعة من الرسول (صلى الله عليه وآله) طلب لها من غير مالكها) فقد اتضح جوابه، فإن المالك الحقيقي للوجود هو الله سبحانه وتعالى، وكل مالك عداه إنما يملك بالملكية الاعتبارية الصورية، فإن كان الغرض من هذا الإشكال عدم جواز طلب شيء إلا من مالكه الحقيقي وهو الله سبحانه وتعالى، فهذا المعنى يلزم منه إبطال الحياة الاجتماعية القائمة على التعاون والتبادل وطلب الأشياء ممن يملكها بالملكية الاعتبارية، وطلب الشفاعة من الرسول (صلى الله عليه وآله) طلب لها من مالكها الاعتباري، بعدما ثبت أن الرسول (صلى الله عليه وآله) مأذون من قبل الله سبحانه في الشفاعة لاُمته، وإذا كان طلب الأشياء ممن يملكها بنحو الملكية الاعتبارية باطلاً وشركاً، فلتتوقف الحياة الاجتماعية لأنها حياة لا تقوم إلا بما هو شرك باطل!!

وأما قولهم الأخير بأن: (طلب الشفاعة من الميت أمر باطل وأن شفاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) من هذا القبيل) فهو أوهن من بيت العنكبوت، وهو لا يتناسب مع إنسان يؤمن بالغيب، وإنما يتناسب مع إنسان مادي يرى المادّة خلاصة الوجود وحدّها الأخير، فنحن لسنا ممن يؤمن بأن الجسد هو بداية الإنسان ونهايته، فإذا مات واُقبر واُلحد انتهى كل شيء، وإنما نؤمن بأن الحقيقة الإنسانية متجسدة بالروح، وأن الجسد مظهر مادي لهذه الحقيقة وأن الموت ينال الجسد ولا ينال هذه الحقيقة، هذا بالنسبة لكل إنسان، أما الأنبياء والأولياء المقربون من الله سبحانه وتعالى فلأرواحهم شأن خاص ومنزلة خاصة ليس بوسعنا إدراكها، وبالتالي فنحن لا نطلب الشفاعة من الجسد الميت، وإنما نطلبها من الروح التي لا تموت، نطلبها من روح إنسان هو أشرف الأنبياء والمرسلين، ولو كانت علاقتنا بالرسول (صلى الله عليه وآله) علاقة بجسد ميت فما معنى سلامنا عليه في الصلوات اليومية الخمسة؟ وما معنى شهادة الرسول (صلى الله عليه وآله) علينا وعلى أعمالنا كما هو صريح القرآن الكريم؟

وبعد كل هذا فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه علّم بعض أصحابه التوسل به وطلب الشفاعة منه، وذلك في المشهور من قصة الأعمى الذي شكى إلى النبي (صلى الله عليه وآله) حاله، فأرشده أن يتوضأ ويصلي ركعتين، ثم يقول بعدهما: (اللهم إنّي أسألك وأتوجه إليك بنبيّك محمد نبي الرحمة، يا محمد يا رسول الله، إنّي أتوجه بك إلى ربّي في حاجتي ليقضيها، اللهم فشفّعه فيَّ) فعل ذلك فردّ الله إليه بصره.
وقد نقل ابن تيمية نفسه هذه القصة ونقل عن الكثير من السلف العمل بهذا الدعاء في حياة النبي وبعده(31).

خلاصة البحث:
إنّ الشفاعة رحمة يفيضها الله على عباده عبر وسائط يختارها ويعيّنها سبحانه وتعالى لأهل التوحيد، كما نصّ على ذلك كتاب الله تعالى ونصوص السنّة النبوية الشريفة.
وليس فيها شيء من الشرك، بل هي شاهد آخر على إرادة الله المطلقة وقدرته الفائقة ورحمته الواسعة ولطفه العميم الذي جعله لمن كان قابلاً لذلك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkoraan.ahlamontada.com
 
الشفاعة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
القراءات ( حسام احمد ) :: العقيدة-
انتقل الى: